القاهرة:سهام أحمد
طالت الاستثمارات الصينية في فرنسا جميع القطاعات، كقطاع صناعة السيارات والسياحة والرياضة، وخاصة كرة القدم، في السنوات الأخيرة. وتجاوز حجم استثمارات الصين في بعض القطاعات منذ عام 2000، 11 مليار يورو. لكن بكين بدأت تغير من سياستها الاقتصادية بفرض قيود مشددة تستهدف استثمارات الشركات الصينية في الخارج.
وتبقى فرنسا قطبًا صلبا يجذب استثمارات الشركات الأجنبية التي أطلقت على أراضيها 639 مشروعًا عام 2009 أي بزيادة طفيفة عن سبتمبريلول 2007، حيث تتفوق ميزاتها الأساسية في جودة اليد العاملة الفرنسية وتدابير ضريبية جد ملائمة. وبوسع الوكالة الفرنسية للإستثمارات الدولية التعبير عن بهجتها. فقد أشار آخر تقرير صدر عنها مطلع شهر مارس/آذار 2010 إلى انطلاقة 639 مشروعا استثماريا أجنبيا عام 2009 أي تقريبا نفس العدد الذي عرفته فرنسا عام 2008 (641 مشروعا) لكن عدد المشاريع زاد عما كان عليه قبل الأزمة الإقتصادية (624 عام 2007)، والذى يوضح الجاذبية الفرنسية المميزة بشكل خاص بجودة تكوين اليد العاملة فيها كما بالتدابير الضريبية الميسّرة لافتتاح الشركات، علاوة على شبكة مواصلات كثيفة وممتازة. من المتوقع أن توفر هذه المشاريع لجهة فرصة المحافظة على 29889 وظيفة في فرنسا، خبرًا سارًا للإقتصاد الفرنسي.
كما يتوقع الكثير من الخبراء الألمان المتخصصين بالاستثمارات الأجنبية، ارتفاع حجم الاستثمارات الصينية في ألمانيا وأنحاء أوروبا خلال عام 2017، ما يجعل الاستثمارات الصينية متقدمة جدا على استثمارات بلدان غير أوروبية مثل روسيا ودول الشرق الأوسط، وهذا ما تؤكده آخر البيانات عن الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا.
ولم تغب معظم بلدان الاتحاد الأوروبي عن بال المستثمرين الصينيين، وارتفع حجم استثماراتهم هناك إلى أكثر من 72 مليار دولار. وأكبر عملية استحواذ قاموا بها هي شراء اتحاد شركات السويسري للكمياويات ومضادات الآفات الزراعية "سنينتا"، وذلك من قبل الشركة الصينية الوطنية المملوكة من الدولة التي عرضت مبلغ 43 مليار دولار.
واللافت أن الشركة الأميركية المنافسة "مونسانتا" كانت قد عرضت في شهر أغسطس عام 2015 مبلغ 40 مليار دولار، إلا أن الإدارة السويسرية رفضت العرض، وقبل ذلك كانت شركة "تنسانت إنترنت" لألعاب الأجهزة المحمولة قد أبرمت صفقة شراء مصنع "سوبرسل" الفنلندي الذي يعمل في نفس الميدان، بقيمة 7.8 مليار دولار، حيث استثمرت الصين على صعيد أوروبا في 164 مصنعا وشركة بقيمة 72.4 مليار دولار، مقابل استحواذها العام الذي سبقه على 183 مصنعا وشركة بقيمة 40 مليار دولار
وثاني أهداف الصينيين أهمية بعد ألمانيا هو شراء شركات في فرنسا، واستحوذت حتى اليوم على 23 شركة مختلفة، وبهذا تكون فرنسا متقدمة على بريطانيا كبلد مستهدف من الصينيين وتمتلك اليوم هناك 20 شركة، ويعتقد خبراء اقتصاد أن السبب في قلة الاستثمارات في بريطانيا هو خروجها من الاتحاد الأوروبي.
هنا تردُّ خبيرة الاقتصاد الألمانية بتريسيا فولف من فرانكفورت، فتقول إن السبب الأساسي للاستثمار الصيني في أوروبا هو ضعف النمو في السوق المحلية الصينية، ونتيجة لذلك تضطر الشركات الصينية لبناء أعمال جديدة والابتعاد عن الإنتاج الضخم باتجاه التخصص في التكنولوجيا العالية، وأسهل طريق لذلك هو شراء شركات أجنبية رائدة.
لكن اهتمام الصينيين في الاستثمارات لم يعد يقتصر على الشركات الصناعية، وخاصة صناعة السيارات والتقنيات المتطورة، فمستثمريها بدءوا يقتحمون صناعات جديدة في ألمانيا، على سبيل المثال مصانع إنتاج المأكولات، والتكنولوجيا البيئية، وفي مجال العقارات التجارية.. فهم يريدون دخول السوق الألمانية عبر الشركات الألمانية، وأيضا اكتساب التكنولوجيات الجديدة والخبرات والعلامات التجارية.
ويخشى الكثير من الألمان موجة الاستحواذ هذه، ويربطون خوفهم بانتقال التقنية الألمانية إلى الصين، إلا أن خبراء التقنيات المتطورة لا يرون أي أساس لهذه المخاوف، ويقولون إن أغلب المستثمرين الصينيين يتبعون النهج الاستراتيجي للمدى الطويل، ما يجعل الاستفادة للشاري على قدم المساواة مع الشركات المستهدفة. وكما يلاحظ المرء، فإن أهداف الاستحواذ المفضلة في ألمانيا هي شركات التكنولوجيا العالية، والتي يصعب نقلها إلى مكان آخر لأن الكثير من المعرفة والدراية الألمانية هي التي تدير عملية الإنتاج والإمداد والإدارة بأكملها.
وبعكس الصينيين، أصبح الأوروبيون عام 2016 أكثر ترددا في الاستثمار في الصين، فللسنة الرابعة على التوالي انخفض حجم استثماراتهم هناك إلى نحو 8 مليارات يورو، والسبب في ذلك هو تراخي النمو الاقتصاد في الصين وتراجع هوامش الربح والمعوقات أمام المستثمرين الأجانب، بينما وصل ما استثمره الصينيون في أوروبا إلى 35 مليار يورو، منها نحو 31 في المائة في ألمانيا.
وهذه هي المرة الأولى التي يتدفق فيها هذا الكم من رأسمال الصين إلى ألمانيا وليس العكس، وهذا يدل على حجم طموحات الصين كي تلحق بركب التطور والتمكن من المنافسة العالمية ومواجهة التحديات الهائلة. إلا أن دراسة وضعها مكتب معهد البحوث في برلين "ماريك" لا تتوقع نموا قويا مماثلا للاستثمارات الصينية في الخارج كما في عام 2016، لأن مراقبة تدفق رأس المال القوي إلى الخارج أصبح أقوى، وأزعج القيادة السياسية في بكين، كما أن القلق قد نما في ألمانيا وأوروبا تجاه عمليات الشراء والاستحواذ الصينية الهائلة؛ رغم طمأنة الكثير من خبراء الاقتصاد والإنتاج منها، والقول بأن ذلك يعود بالفائدة على الأوروبيين أيضا ولا داعي لاتخاذ موقف دفاعي.