تونس - اليمن اليوم
ملعبهم، الفضاء الافتراضي وذنبهم الإصداع بالحقيقة والتعبير عن أفكارهم بكل حرية في زمن الاستبداد، تلك هي الفئة التي اختارت هيئة الحقيقة والكرامة عرض حالاتها في جلسة الاستماع العلنية الثامنة لضحايا انتهاكات حقوق الانسان، المنعقدة مساء اليوم السبت بالعاصمة، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الرقابة على الأنترنات، الذي يتزامن مع ذكرى وفاة الناشط والمدون زهير اليحياوي (13 مارس 2005) في تونس.
أولى الحالات تعلقت بالمدون زهير اليحياوي، والتي روتها والدته خديجة اليحياوي. هو مدون قام بتأسيس صحيفة إلكترونية إسمها "تونيزين" متخذا لنفسه من "التونسي" اسما مستعارا حيث قام بفضح ممارسات الفساد والاستبداد وغياب الحريات زمن الاستبداد في صحيفته بأسلوب ساخر وجعل منها فضاء لنشر المقالات لمدونين بأسماء مستعارة.
وروت والدته أطوار اعتقاله يوم 4 جوان 2002 وتعذيبه ثم محاكمته وسجنه وما تعرض له من هرسلة وإذلال داخل السجن طالا أفراد عائلته، الأمر الذي أدى إلى وفاة والده قهرا جراء حرمان ابنه من حريته، مشيرة إلى أصناف التعذيب والضرب التي تعرض لها ابنها داخل السجن وانتهاج سياسة الموت البطيء ضده، الأمر الذي اضطره إلى الدخول في اضراب جوع أكثر من مرة ما أدى إلى تدهور صحته.
لم تنته معاناة المدون زهير اليحياوي بخروجه من السجن بل استمرت عبر إخضاعه لمراقبة أمنية لصيقة. كما تدهورت صحته جراء التعذيب والمعاملة القاسية إبان سجنه ما أدى إلى وفاته يوم 13 مارس 2005 جراء نوبة قلبية.
في الحالة الثانية تم استدعاء الضحية فؤاد بوزواش وهو طبيب في القطاع الخاص. تطرق فؤاد إلى أطوار اعتقاله سنة 1991 بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها ومسك بنية الترويج لمناشير من شأنها تعكير صفو النظام العام ليسجن لاحقا طيلة 20 شهرا، مضيفا أنه مع بداية سنة 1997 توجه اهتمامه نحو الفضاء الإفتراضي عبر مشاركته في منتديات الحوار حيث تقاطع نشاطه مع نشاط زهير اليحياوي وشاركه العمل في موقع "تونيزين" تحت اسم "ديسبتيكوس".
ولئن تم القبض على "التونسي" فقد حالف الحظ "ديسبتيكوس" بالنظر لتمسك صاحب الموقع بعدم الكشف عن أسماء شركائه من المدونين في الموقع، مشيرا إلى أنه أصيب بخوف شديد عندما تم القبض على زهير اليحياوي وخاف أن يلقى هو وزملاؤه ذات المصير.
الشهادتان الثالثة والرابعة تعلقتا بشابين من شباب الأنترنات بجرجيس وتعود حيثيات القصة إلى بداية سنة 2003 حينما قامت السلطات التونسية بإلقاء القبض على 8 من مستخدمي الأنترنات من شباب مدينة جرجيس التابعة لولاية مدنين جنوب تونس بتهمة الإرهاب، وكان دليل السلطات على ذلك عبارة عن مجموعة من الملفات قام الشباب بتحميلها من شبكة الأنترنات وحكم عليهم بأحكام قاسية وصلت إلى 19 سنة، مثلما هو الحال في ملف الشاب عبد الغفار قيزة، الذي قدمه والده محمد قيزة.
وتطرق قيزة الأب إلى ما حفّ بعملية اعتقال ابنه واختفائه طيلة 18 يوما دون أن يكون لعائلته أي علم بجهة الإعتقال. كما كشف عديد الوقائع المؤلمة بشأن تعرضه للتعذيب والتهديد بالقتل لتوجه له عديد التهم أفضعها وضع وتركيب مواد متفجرة، وحكم عيه بأكثر من 19 سنة ثم خفض الحكم إلى 13 سنة بعد الإستئناف.
مأساة عبد الغفار قيزة تفاقمت في السجن، حسب رواية والده، بسبب سوء المعاملة وظروف السجن القاسية، ما أدى به إلى الإصابة بمرض السل، الأمر الذي دفع بالسلطات إلى اطلاق سراحه شرطيا في بداية 2006 لتستمر معاناته خارج السجن عبر الإقامة الجبرية والمنع من الارتزاق والتنقل للعاصمة للتداوي من مرضه المزمن والهرسلة والإجبار على حضور إلى مركز الأمن للإمضاء.
حمزة محروق، هو بدوره من مجموعة شباب الأنترنات جرجيس، وهو من مواليد 1983 تم إيقافه في فيفري 2003، في وقت متأخر من الليل ليتم نقله في الليلة ذاتها من جرجيس إلى مدنين ثم إلى قبو وزارة الداخلية بالعاصمة، حيث تعرض إلى أشكال عدة من التعذيب مدة 19 يوما بواسطة الكهرباء وآثارها مازالت واضحة على جسده، والتعليق لمدة ساعات طويلة في وضعيات مختلفة وتهديد بوضع رأسه في القذورات وبالفاحشة.
بعد استكمال الأبحاث في 28 فيفري، نقل الضحية حمزة محروق إلى سجن 9 أفريل، أين قضى أكثر من سنتين على خلفية اتهامه بالإنتماء إلى مجموعات إرهابية . ويروي الضحية في شهادته ماعايشه في هذه المؤسسة السجنية من معاملة لاإنسانية مهينة وظروف الإكتظاظ وانتشار الأمراض وعدم توفر الرعاية الصحية الدنيا .
وقال إنه دخل في إضراب جوع وحشي طيلة 19 يوما ليتم نقله إلى سجن صفاقس، أو بالأحرى تهريبه خوفا من زيارة مرتقبة لمنظمة دولية للإطلاع على ظروف الإقامة في هذا السجن. في فيفري 2006 أطلق سراح الضحية ليدخل في دوامة المراقبة الإدارية اليومية مدة 5 سنوات قبل أن تنزل العقوبة إلى مراقبة أسبوعية مدة 4 سنوات، عايش فيها التضييقات على رزقه هو كافة أفراد عائلته وكذلك الحرمان من استخراج جواز سفر.
أما الشهادة الأخيرة فهي للناشط السياسي والمدون سامي بن غربية ومن مواليد 26 جوان 1967 ببنزرت، وهو من مؤسسي موقع نواة سنة 2004 واشتغل مديرا في المؤسسة العالمية "أصوات عالمية" في قسم مناصرة نشطاء الأنترنات.
الضحية قال في شهادته إنه كان ملاحقا وتعرض للإنتهاكات التي طالت عائلته أيضا، وذلك على خلفية زيارته إلى عدد من دول المشرق وإقامته بإيران مدة سنة، وهو ما أجبره على مغادرة تراب البلاد خلسة، واضطره إلى الهجرة القسرية إلى هولندا وإقامته هناك طيلة 13 سنة، قبل أن يتمكن من العودة إلى بلاده بعد الثورة.
وخلال سعيه للحصول على اللجوء الساسي تلقى سامي بن غربية دعما معنويا ومساندة من عدة شخصيات وجهات منها المرحوم القاضي مختار اليحياوي، والناشط السياسي بفرنسا منذر صفر، ومنظمة العفو الدولية فرع هولندا، والمنظمة الدولية للدفاع عن الكتاب الصحفيين. ومنذ استقراره بهولندا باشر بن غربية النشاط بالتدوين بعدة مواقع إلكترونية مثل : منتدى "كلمة"، و" TUNeZINE"و مدونة المرحوم زهير اليحياوي ومدونة " Takriz" ومدونة "Tunis news".
يذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة انطلقت في عرض أولى جلسات الاستماع العلنية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، التي وقعت بين 1955 و2013، مساء يوم 17 نوفمبر 2016، وخصصت جلستها السابعة المنعقدة أمس الجمعة للاستماع إلى شهادات تتعلق بالإنتهاكات في حق النساء المناضلات، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
ومن المنتظر أن تسلط الهيئة الضوء في جلستها التي ستنعقد يوم 24 مارس، على السياقات والظروف التي ساعدت على تحقيق الإستقلال، والانتهاكات التي جدت في تلك الفترة بمناسبة عيد الإستقلال.