تونس - اليمن اليوم
"قال لي أحد الداعمين الأوروبيين: أن تفكر في تنفيذ مشروع كهذا فأنت إما عبقري جدا أو بك مس من الجنون". قرر فايز الرويسي بعث مركز للسياحة الاستشفائية والبيئية بمنطقة بني مطير (ولاية جندوبة) في تونس باستغلال المياه المعدنية الحارة في إسداء خدمات الطب الوقائي والعلاجات "الناعمة" والاستفادة من هذه المياه كمصدر طاقة وحيد لمشروعه السياحي.
تمضي الحياة في قرية بني مطير المعلقة في جبال خمير بطيئة جدا... رغم سحر الطبيعة التي أذكى السد من فتنتها لا أثر لنشاط اقتصادي واضح المعالم وتعداد أهل البلدة لم يصل إلى عتبة الألف ساكن فبني مطير لا تقطنها سوى 191 عائلة... كان من قبيل المجازفة أن ينفق مستثمر تونسي 12 مليونا و500 ألف دينار ليقيم مركزا سياحيا يقدر على استيعاب 120 نزيلا في اليوم.
رشح فايز الرويسي رجل الأعمال الستيني ذو التكوين في الهندسة المعمارية ملف مشروعه لمناظرة متوسطية قامت بها لجنة تابعة للاتحاد الأوروبي وتم اختياره كأفضل مشروع تونسي. اختار المستثمر مكان المشروع على أحد السفوح المطلة على حوض سد بني مطير غير بعيد عن قصر البلدية. قال صاحب الإنجاز "إن الفكرة الرئيسية للمشروع أن تكون المياه المعدنية الحارة مصدر طاقته واستعمالاته المختلفة وأن يستفيد من الثروة الغابية والموارد البشرية للمنطقة".
جنة العلاج "الناعم"
أنشأ المهندس محطة استشفائية مساحتها المغطاة الجملية 6 آلاف متر مربع. تتكون المحطة من "شاليهات" (شقق وعددها 18) مستقلة بنيت كلها من الخشب وأعدت لاستقبال من شخصين إلى ستة حسب مساحة كل "شاليه" ومن مطعم خاص بالنزلاء وآخر لمرضى السكري واستراحة للزوار العابرين. وتضم المحطة أيضا 5 أجنحة و9 غرف.
ستقدم المحطة خدمات في العلاج الوقائي والمحافظة على اللياقة باستخدام المياه المعدنية الحارة النابعة من جوف الوادي المحاذي. يتوفر بالمحطة مسبحان وحمام استشفائي وغرف للتدليك والاستشفاء بالمياه المعدنية. وستكون المياه المعدنية الحارة هي الوحيدة مصدر طاقة المحطة في كل استعمالات الإنارة والتدفئة وما شابه...
ويؤكد الرويسي أن الحجوزات للانتفاع بخدمات هذه المحطة الاستشفائية قد انطلقت بعد، رغم أن الأشغال وصلت إلى 85 بالمائة فقط على أن يكون المشروع جاهزا في موفى 2017.
وانتفع مشروع مركز السياحة الاستشفائية والبيئية ببني مطير بمنح استثمار من الديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه بلغت 872 ألف دينار. وقام الديوان بإعداد الدراسات الفنية لتحسين كيفية قطف وتجميع المياه وأنجز الأشغال المتعلقة بتحسين قابلية التقاط المياه المعدنية الحارة من خلال الرفع من دفق المياه الحالي من 4 لترات في الثانية إلى 12 لترا ووضع منشآت لقطف المياه وبناء محطة ضخ بكلفة 700 ألف دينار.
وقال المدير العام للديوان رزيق الوسلاتي "إن هذا المشروع يعد الأول من نوعه في تونس وفي العالم، مكوناته البيئية حفزت الديوان على تذليل كل العقبات أمام صاحبه لتنفيذه. ستوفر المحطة 46 موطن شغل ستين بالمائة من هذه المواطن لأصحاب الشهادات العليا وستكون الأولوية في التشغيل لأبناء المنطقة".
همس إلينا الوسلاتي أن إقدام الرويسي على مثل هذا المشروع مغامرة كبرى لا سيما في ظل ما وصفه "بتخاذل" السلط الجهوية. أشار الوسلاتي إلى أن هذه السلط رغم علمها بالمشروع وأثره الإيجابي على دفع التنمية بمنطقة بني مطير وولاية جندوبة ككل، لم تقدم أية دعم ولم تسع لتوفير المرافق الضرورية في مجال البنية التحتية والتطهير وتصريف المياه.
رغم الخضرة الطاغية على المكان، يكتشف الزائر لقرية بني مطير أن الفضلات تراكمت عند مواطئ الأقدام في دروب القرية وتحت أحراش الغابة والأكياس البلاستيكية التي تقاذفتها الرياح علقت بأغصان الأشجار، لا وجود البتة لحاويات فضلات حتى قرب قصر البلدية لكأن هذه الجماعة المحلية مقتنعة أن بني مطير ليست إلا منطقة عبور تدب فيها الحياة ساعات قليلة في اليوم ثم تعود إلى سباتها.
ألمح صاحب المحطة الاستشفائية بأنه اتفق مع الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات على إحداث مركز لرسكلة النفايات التي تخلفها خدمات الطب الوقائي والعلاجات الناعمة قائلا "إن الحفاظ على عذرية الطبيعية ونظافة المحيط يمثل القيمة المضافة لهذا المشروع".
"الفقراء يدخلون الجنة"
لم يكن فايز الرويسي من أهالي بني مطير في ما مضى لكنه اليوم وبشهادة بعض العاملين معه وممن صادفنا من السكان، صار واحدا منهم يجالسهم في مقهى البلدة ويقاسمهم مشاغلهم وانتظاراتهم. أضاف الرويسي في مشروعه عنصرا آخر تمثل في تشييد حمام استشفائي للأهالي. كان من المفترض أن يكون هذا الحمام "الهدية" تحت تصرف السلط العمومية لكن مدير الديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه أصر على أن يكون المستثمر هو الماسك بزمام التصرف "حفاظا على ديمومة المشروع وفق شروط الصحة والنظافة المطلوبة" وفق تعبيره.
استرسل الوسلاتي يقول "قطاع الاستشفاء بالمياه قطاع حساس يتطلب الكثير من العناية بقواعد الصحة والتجارب أثبتت أن الحمامات العمومية سريعا ما تفتقد لهذه القواعد بسبب التقصير في مراقبتها. عندما يهتم بهذه الحمامات (خبير في المجال) ستحتفظ بدورها الصحي".
تبلغ كلفة الحمام الذي حمل اسم "الصالحين" وسيكون ملاصقا لمركز السياحة الاستشفائية والبيئية 70 ألف دينار وقدى أنهى الديوان الدارسات الهيدرولوجية الخاصة بمنابعه بكلفة 20 ألف دينار.
وغير بعيد عن المشروع حيث وسط البلدة، يتوافد زوار دقائق معدودات لمجرد أخذ صور للذكرى مع البنايات المشيدة على الطراز الأوروبي والموشحة أعلاها بالقرميد الأحمر. فلا نشاط سياحي هناك يرغبهم في إطالة المكوث وعمال مضيف الشباب الذي عاد لاستقبال ضيوفه بعد أشغال الصيانة والتحسين، دخلوا في موجة احتجاجات مطالبين بالترسيم فأغلق أبوابه من جديد في وجه الذين يرغبون في قضاء ليلة نوم أو أكثر مع النائمين.