نواكشوط ـ عائشة سيدي عبد الله
أكد الفنان السوري فريد حسن، أن علاقة حب تجمعه بموريتانيا، كاشفًا عن قصة مميزة بدأت بتدريس مادة علم النفس وعدة مواد أخرى، وصولًا إلى الموسيقى حيث تركت بصمته في الأغنية التراثية أثرًا كبيرًا.
وسرد فريد حسن في حوار لـ"اليمن اليوم"، تاريخ موريتانيا في تلك الفترة وتجربته مع مؤسسة الإذاعة ورحلته الفنيةهناك, وذكر الفنان السوري أنه وصل إلى موريتانيا كمدرس في 23 آذار ( مارس) عام 1977م - في إطار التعاون السوري الموريتاني لتدريس علم النفس في معهد تكوين المعلمين حديث النشأة آنذاك - ولكن شغفه بالموسيقى وإطلاعه عليها وحاجة القطر الموريتاني إلى الدعم في كل مجالات الحياة آنذاك كدولة ناشئة.
وأضاف "وفي إطار بحثي عن الطريق الذي سأسلكه التقيت بمدير البرامج في الإذاعة الوطنية آنذاك الحسن ولد مولاي علي، واتفقنا أن تفتح لي الإذاعة الباب على مصراعيه لتقديم فني - بشرط أن لا يكون هناك ثمن يُدفع لأن الظروف الاقتصادية لموريتانيا كانت محدودة"..متابعًا "لكن بالمقابل كانت لدي مكانة معنوية عوضتني عن الجانب المادي حيث تم منحي بطاقة دخول للإذاعة في أي وقت كان ليلًا أو نهارا, علمًا بأن هذا الاستثناء لا يحظى به سوى أشخاص قلة كالمديرين ومقدمي نشرات الأخبار.
وأشار الفنان السوري، في حديثه عن بدايته مع الموسيقى الموريتانية، قائلًا "لقد قمت بالاتصال بكل الفنانين الكبار - واطلعت على المقامات الموسيقية والأنغام الموسيقية والآلات الموسيقية المحلية، فعرفت النموذج المناسب للمزج بين الموسيقى الموريتانية والمشرقية العربية, فقدمت أغنية كرسك ياغلانه التي لاقت نجاحًا منقطع النظير برفقة الخالدة الراحلة عنا ديمي بنت آب - وبعد فترة وجيزة من العمل مع الإذاعة أصر مدير البرامج الحسن ولد مولاي علي على منحي مقابلًا ماديًا, فقدم لي إكرامية عن طريق ضمي إلى فريق برنامج لقاء الجمهور - وكذلك وقّعت على عقد أحصل بموجبه على نصف ريع طلبات المستمعين التي كانت حينها مأجورة -ولكن تأخر موعد إقامة حفل لقاء الجمهور أسابيع عدة بسبب هجوم البوليساريو حينها بقذائف الهاون على العاصمة - وقد استفدت من تأخير الحفل في أخذ متسع من الوقت لإعداد أغاني جديدة - كل هذا حصل بين نهاية آذار/مارس وتاريخ وصولي إلى نواكشوط وقد شاركتني في حفل لقاء الجمهور المرحومة محجوبة بنت الميداح وابنتان معها - إلى جانب طاولة مستديرة شارك فيها كبار أدباء وشعراء موريتانيا ومدير البرامج وقدم الحفل المذيع أحمدو ميداح - وقد كان موضوع الطاولة المستديرة يدور حول تطوير الموسيقى الموريتانية وقد تبع الطاولة جدال دام عدة أسابيع على صفحات جريدة الشعب بالفرنسية والعربية إلى أن تدخل وزير الإعلام طالبًا وقف الصراع الذي احتدم بين مساندين للتطوير باتجاه الموسيقى العربية وبين المطالبين بتطويرها تجاه الفرنسية أو الأفرقة.
وأردف فريد حسن أن الأعمال الفنية توالت بعد طلب الإذاعة تلحين نشيدي كتائب موريتان وأفريقيين وعرب للدين واللذان كانا يذاعان في برنامج الصحرا المسائي - إضافة إلى كرسك ياغلانه ودوم يالله ذي الحيلة وقل للمليحة وانتي موريتانيا وأنا من حلب, وعن تأثير الأغاني وردود الفعل عليها يذكر فريد حسن : قدمت الأغنية الخالدة كرسك ياغلانه وزين الشرق وزين كبله - وبالي حالف يمين - ودوم يالله -وفرحة العيد - وسمراء - ومسرح المجد - وترجيت - وزينه - الخ .... وكتائب موريتان - التي هي قمة في الابداع والقوة والتي اختارها الاعلاميون والقيادة مقدمة لنشرة الاخبار بكل اللغات الوطنية والفرنسية لعدة سنوات, كما استخدمتها الفرقة العسكرية الموسيقية لاستقبال ووداع الملوك والرؤساء وكان ذلك دليل ساطع على نجاحها.
وتابع حديثه قائلا : "اضطررت بعد ذلك للسفر إلى سورية لمدة سنة واحدة ولكني حين عدت إلى الاذاعة لممارسة أعمالي وقبض المتراكم من حصتي في طلبات المستمعين والتي كان بيني وبين الإذاعة عقد غير محدود الزمن فيها - وكان قد تجمع لي 85 ألف أوقيه في ذلك الوقت والتي كانت تعادل ألفي دولار - وقد صدمت عندما امتنعوا عن دفعها محتجين بأني سافرت عن البلد ولم يعد لي الحق بأخذ هذه الأموال.. فاقترح عليَّ المدير العام المساعد حينها أن آخذ أشرطتي وأضعها في ساحة الإذاعة وأحرقها ردًا على تجاهل الإذاعة لحقوقي - وكان ردي أن الأشرطة ملك لجمهوري - وجمهوري لم يقدم لي إلا الخير فكيف أكافئه بأن أحرق له الأشرطة - وتنازلت أمامه عن كل العقود التي بيني وبين الإذاعة وكتبت له براءة ذمة للإذاعة تجاهي وأنني لا أريد منها أي مبلغ رغم حقوقي الواضحة.
وواصل الفنان السوري :بعد قضائي سنة ونصف بعدها في موريتانيا كمدرس للغة الإنجليزية في الثانوية العربية - سافرت إلى سورية ثانية بسبب ظروفي العائلية - وحاولت تأمين ظروف مادية أفضل لأسرتي الكبيرة ما شاء الله, وفي سورية أيضًا لم استخدم الفن للتكسب بل أخذته كهواية فقط فسجلت اثنتي عشرة أغنية في إذاعة حلب في الستينات وبداية السبعينات كهدايا كما فعلت في نواكشوط - أي أني لم أكن أعيش من الفن - مما اضطرني للعمل في التجارة اولا حيث كنت امتلك محلا لبيع الالبسة , ثم افتتحت مدرسة خاصة بعد ذالك سهرت على تطويرها لتكون من افضل المدارس الخاصة في حلب , مضيفا ورغم ان اعمالي الخاصة كانت تاخذ مني وقتا وجهدا كبيرين فاني لم اترك الفن بل سجلت اغاني موريتانية في استوديو كبير ثم سجلتها على الف شريط كاسيت ارسلت بعضها إلى نواكشوط واهديت اصدقائي السوريين والموريتانيين أعدادًا كبيرة منها ثم صورت الأغاني نفسها على فيديو - هو الذي شاهدتموه على التلفاز وكان على نفقتي .
وعن زيارته الأخيرة إلى موريتانيا ذكر :"عندما جئت إلى بروكسل قبل سنة وثمان أشهر فتحت حسابًا على "فيسبوك", وبدأت اتفاعل مع الموريتانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي, وأرسلت كل تلك الأغاني التي صورتها بالزي التقليدي الموريتاني مما حذى بجمهوري واصدقائي القدامى والجدد بمطالبتي يزيارة موريتانيا ,فجئت إلى تواكشوط و اجريت تسع لقاءات تلفزيونية وسبع لقاءات اذاعية وعدة لقاءات الكترونية, كما قدمت كل اغاني المصورة إلى القنوات الفضائية الموريتانية وإلى الاذاعة الوطنية إضافة إلى الإذاعات الخاصة , ويضيف لقد شعرت بالفخر وبسعادة عندما تم تكريمي بدءا من فخامة رئيس الجمهورية ومرورا بكل الجهات الرسمية والشعبية والجمعيات والمكاتب والأشخاص وشعرت بأن ماقدمته من جهود اينعت واعطت ثمارها ,وكانت النهضة الفنية التي أردتها في بداية طريقي قد تحققت واقعًا ملموسًا.
وتحدث عن إمكانية تكرار تجربته السابقة مع الراحلة ديمي مع إحدى الفنانات الشابات قائلًا : كنت أتمنى ذلك وقد حاولت جاهدًا في رحلتي وقد اتصلت وأعلنت في كل وسائل الإعلام - وقد أعطيت أغاني مسجلة لعدة فنانات ليسجلنها ويضفن صوتهن إليها كالفنانة منى زوجة صديقي أحمد آب - والفنانة مياسة سيمالي ابنة المرحوم صديقي سيمالي همد فال, ويقول كانت أمنيتي أوسع وأكبر ليس من أجلي أنا بل من أجل موريتانيا - وليكن معلومًا عند جمهوري الغالي أن ما أقدمه كله لم ولن اطلب له مقابل فاللحن يباع في لبنان او مصر او سورية او العراق بالآلاف من الدولارات ان لم يكن بعشرات الالاف عدا عن الفرقة التي تسجل والاستوديو بينما قدمت أنا اللحن والاستوديو والفرقة مجانا.
وختم الفنان فريد حسن حديثه بقوله : "أوجه رسالة خاصة عبر "اليمن اليوم" إلى جمهوري الغالي في موريتانيا أقول فيها سأكون معكم كما كنتم معي دائمًا - سألمع القديم وانفض عنه غبار الزمن - إضافة إلى أغان كثيرة جديدة قيد الانجاز منها ما قدمته وغيرها على الطريق إليكم - وسأكون معكم في عيد الاستقلال القادم والمولد ومهرجان المدن القديمة القادم بمشيئة الله".