القاهرة - اليمن اليوم
عندما تنظر إليه للوهلة الأولى تجد فى ملامحه أصول الفن المصرى المختلط بالفرنسي، استطاع بأعماله أن ينساب بسهولة فى قلوب المشاهدين، ويملأ تصدعاتها بأدائه المفعم بالحياة والحيوية، يرسم البهجة بأبسط الطرق، ويشعل الشغف داخل النفوس، ورغم وسامته وكونه أحد جانات جيل السبعينات، فإنه رفض أن يظل حبيس تلك الأدوار، وقرر أن يتقرب للجمهور بأعمال مختلفة.
التقت "الوطن" الفنان جميل راتب داخل أحد المستشفيات في الزمالك، وكان برفقة مدير أعماله هاني التهامى، الذي يساعده لفهم من حوله بعد أن أصبح صوته غير واضح نظرًا لتقدمه فى العمر، يستلقى في سريره يبتسم لزواره بوجه مُجهد، وتخرج من شفتيه كلمات خافتة، ليتحدث عن ذكرياته مع الفنانين فاتن حمامة ومحمود قابيل وأحمد زكى، ويكشف عن وصيته الأخيرة، بالإضافة إلى أمنياته لمصر في الفترة المقبلة.
احتفلت أخيرًا بعيد ميلادك الـ92، صف لنا شعورك حينها؟
بالتأكيد زيارة الفنانين وأصدقائي أسعدتني كثيرًا، بخاصة عندما فاجأونى بالاحتفال بعيد ميلادي، سواء الفنانة يسرا أو محمود قابيل والأب بطرس دانيال وغيرهم، وأيضًا من هاتفنى ليبارك لي في عيد ميلادي، إلا أنني أصُبت بعدها بمرض في الصوت جعل نبرتي أقل من العادي، وتقبلت ذلك بسلام داخلي لأنني أعلم أن سببه الأساسي تقدم العمر، كما أصبحت أعتمد على الكرسي المتحرك بشكل أساسي منذ نحو عام كامل، فلم أعد أستطيع أن أخطو أى خطوة من دونه، ويساعدني في كل أموري الشخصية هاني التهامي الذي أعتبره بمثابة ابني الذى لم أنجُبه، وللأسف بدأت أُقلل من تناول الطعام تدريجيًا، ولكن هذا الأمر لم يزعجني فعشت طوال عمري أتمنى أن أكون شخصًا نباتيًا، لأني أرى ظلمًا في ذبح الحيوانات وقتلها، والله سبحانه وتعالى حقق لى ما تمنيته في آخر حياتي , عشت من أجل الفن ولم أفكر يومًا في اعتزاله رغم مرضي , وأنتظر التكريم من بلدي مثلما فعلت فرنسا وتونس
هل هناك أشخاص ما زالوا يترددون عليك لزيارتك والسؤال عنك باستمرار؟
أنا شخص أحب كل الناس، تحديدًا الفنان محمد صبحي، وسلوى محمد على، والمؤلف كرم النجار، ويسرا، ومحسنة توفيق، وعزت العلايلي، ولبنى عبدالعزيز، ونادية لطفى، ومن ناحية أخرى دائمًا أتذكر زوجتي الأولى والوحيدة التى تعرضت أخيرًا لظروف صحية قاسية في فرنسا ودخلت إلى أحد المستشفيات، ولكننا ما زلنا نطمئن على بعضنا البعض.
هل ساعدك الأطباء في فرنسا على تخطي مرحلة الخطر من المرض عند سفرك إليها ؟
- الأطباء لم يستطيعوا فعل شىء نظرًا لكبر سني، رغم أنهم حاولوا تقديم حلول، وقد قبلت وضعي كما هو وفضلت العودة إلى مصر مرة أخرى، لأننى أريد أن أعيش وأموت على أرضها.
ما الذى يشغل بالك خلال تلك الفترة بعد عودتك من فرنسا؟
- هناك أشياء كثيرة وصيت هانى بها، بخاصة أنه يلازمنى طوال فترة مرضي وهو بمثابة ابني، أريد أن يكون هناك عزاء بعد وفاتى يحضره من يحبنى من الفنانين وكبار النجوم، بالإضافة إلى تجميع كل صوري والجوائز التى حصلت عليها طوال حياتي في معرض خاص، حتى يظل اسمي عالقًا في ذهن الجمهور.
هل عُرضت عليك أعمال أخرى بعد مشاركتك الأخيرة فى مسلسل "بالحجم العائلي" مع يحيى الفخراني خلال رمضان الماضي؟
- لم يعرض علىّ أعمال أخرى بسبب تقدم سنى، ولكنى سعدت بتجربة الفخراني والتعاون معه، بخاصة أن الشركة المنتجة وفرت سبل الراحة لفريق العمل، ولكني شاركت فى فيلم مغربي يدعى "أمس" 2016 في كازابلانكا، وهو من بطولة فنان مجري، وإنتاجه فرنسي ألماني مجري، وأجسد من خلاله دور ضيف شرف كطبيب يعالج البطل ويقدم له حلولًا ويقف بجانبه ويدعمه، والدور لم أكن أجسده على الكرسي المتحرك، ولكنني أتذكر مشهدًا كنت أسير فيه على قدمي وأرى خيالي فى النافذة، وكان يجلس هانى خلف الشباك لكى يسندني، ومن المقرر أن يطرح الفيلم في دور العرض الأوروبية والمغربية خلال أيام , "شيشخان" أحب الأعمال إلى قلبي و"جدو أبوالفضل" قربني من الجمهور و"لورانس العرب" فتح لي أبواب العالمية
حصلت على العديد من الجوائز الفنية، ما الأقرب إلى قلبك؟
- بالفعل حصلت على تكريمات عدة، آخرها تكريم الأب الروحي من اليونيسكو، وهذا الأمر أسعدني كثيرًا، بالإضافة إلى حصولي على 3 أوسمة من فرنسا، ووسامين من تونس، كما كان لتكريمى من الرئيس السادات مذاق خاص، وكُرمت أيضًا من دبى عام 2011، فكل ذلك أسعدني للغاية، بالإضافة إلى تكريمي في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وتكريمي في مهرجان قرطاج، وكانت المفاجأة أن يكرمني رئيس الدولة، وكنت أنتظر تكريمًا من بلدي مصر على غرار تكريمي في الخارج مثل فرنسا وتونس.
هل هناك عمل تفضل مشاهدة نفسك فيه باستمرار حتى وقتنا الحالى؟
- الفيلم التونسى "شيشخان" من أقرب الأعمال إلى قلبي، وشاركني بطولته الفنانة التونسية جليلة بكار، فهو من الأفلام التى أعتز بها كثيرًا خارج السينما المصرية، بالإضافة إلى رد فعل الجمهور بعد عرضه وإشادته بالدور.
ارتبطت عند الكثيرين بشخصية "جدو أبوالفضل"، هل يسعدك ذلك؟
- بالتأكيد، أجزاء "يوميات ونيس" من الأعمال المميزة بالنسبة لي، وكواليس العمل مع أسرته ممتعة، بخاصة محمد صبحي، هذا العمل من أكثر المسلسلات التي جعلتنى قريبًا من الجمهور، وقدم قيمة ورسائل مهمة لمعظم الأجيال المقبلة، بخاصة أن تلك الفترة حصرني فيها المخرجون فى أدوار الشر.
هل كان يزعجك حصر المخرجين لك في أدوار الشر، كما ذكرت سلفًا؟
- على النقيض، لأني حاولت بعدها مباشرة التنوع فى الأدوار، فعلى سبيل المثال مسلسل "الراية البيضاء" مع الفنانة سناء جميل، لم أجد فيه صعوبة لأنه يشبه الحياة التى أعيشها، وفيلم "عفاريت الأسفلت" مع المخرج أسامة فوزى كان شخصية فيه سلسة ومريحة، وفيلم "بيت بلا حنان" مع الفنانة نادية لطفي، فمن أبرز كواليس تصوير العمل وقتها مشهد ضربي لها، وبعد التصوير كانت تدخل وتضحك قائلة "شفت عملت إيه فيّا" .
قدمت أعمالًا مع كبار نجوم مصر منهم فاتن حمامة، هل كانت لك معاملة خاصة منها داخل الكواليس؟
- تعاونت مع الفنانة فاتن حمامة عندما شاركت فى مسلسل "وجه القمر"، فهى فنانة كبيرة وكان لها وزنها، وعندما طلبت مني التعاون معها قالت لي "اطلب ما تريده من الإنتاج لأنني أريدك معي"، ورغم ذلك لم أطلب مبلغًا غير معقول، كما شاركتها في فيلم "لا عزاء للسيدات" وهو محطة مهمة في حياتي، لاعتبارات عدة أهمها أنني وقفت أمام فاتن حمامة، فهي كانت فنانة متصالحة مع ذاتها وتعلمت منها كثيرًا، بالإضافة إلى التعاون مع المخرج هنري بركات وهو من أكثر المخرجين إنتاجًا للأعمال السينمائية، ولقب بشيخ المخرجين.
استكمالًا لحديثنا عن عمالقة الفن، كيف كانت كواليس العمل مع فريد شوقي وأحمد زكي؟
- قدمت مع فريد شوقي أعمال عدة ، أهمها فيلما "وحوش الميناء" و"كيدهن عظيم"، ووقتها كانت تتردد الفنانة هدى سلطان على الكواليس وتوصيني عليه وتقول لي " يا جميل متخلهوش يدخن عشان صحته"، كما أن الفنان أحمد زكي يعد من عمالقة الفن، وأتذكر له عندما عرُض علينا المشاركة في فيلم "الكرنك"، ووقعنا عليه بالفعل، ثم قرر جاهين استبعادنا من العمل، وقرر التعاقد مع نور الشريف وكمال الشناوي لأننا لم نكن أسماءً تجارية في هذا الوقت، فـ«زكى» من المقربين إلى قلبى، وعند وفاته تأثرت كثيرًا، لذلك لم أتردد عندما قدمت عنه إعلان "500 500" تخليدًا لذكراه.
هل ترددت فى الموافقة على فيلم "الكيف" لخلاف بينك وبين محمود عبدالعزيز؟
- على النقيض، فالفنان محمود عبدالعزيز كان من المقربين لي، ولكنني ترددت قبل الموافقة على الفيلم بسبب أننى لم أفهم بعض ألفاظه، ولكن المخرج على عبدالخالق أصر على وجودي في العمل، وبعد تصويره وعرضه تفاجأت برد فعل الجمهور وتحمسهم له.
بداية حياتك العملية كانت قاسية، هل تسبب ذلك في ازدهار اسم جميل راتب في السينما؟
- بالفعل، التحقت بأكثر من وظيفة قبل دخولي عالم السينما، بعد أن رفض أهلي العمل في المجال الفني وانقطع عنى المصروف، وبدأت العمل في سوق الخضار في فرنسا، ثم جرسونًا في أحد المطاعم، وأعتقد أن هذا جعلنى أقرب للجمهور، نظرًا لأنني احتككت بهم أكثر وتعاملت معهم عن قرب، وبالتأكيد هذا سهل علىّ المشاركة في الأعمال الأخرى.
جمعك دويتو مع عمر الشريف في "لورانس العرب"، كيف كانت الكواليس؟
- شاركت في أعمال أجنبية عدة، ومن أهمها فيلم "لورانس العرب"، حيث كان يستشير كل منا الآخر، وفي البداية رشُحت لدور عمر الشريف، ثم تم اختيارى في دور آخر، ومشاركتي في هذا العمل كانت فرصة كبيرة لي بأن يكون اسمي موجودًا في أسرة الفيلم، وهذا فتح لي أبوابًا كبيرة فى السينما وقتها، وكان الفنان العالمى الراحل أنتوني كوين من أقرب أصدقائي على مستوى الممثلين العالميين.
وماذا عن قيمة المسرح في حياتك؟
- قدمت على المسرح أعمالاً فنية عدة، فكانت البداية الفنية في فرنسا، فأعمالي المسرحية هناك أكثر من مصر، وكنت أحفظ أكثر من 2000 كلمة في النص الواحد، ولذلك بعد هذا المشوار الفني الطويل، أفضل استمرار المسرح الغنائي الاستعراضي.
صرحت سابقًا برغبتك في تجسيد شخصية جمال عبدالناصر، ما السر وراء ذلك؟
- أحب جمال عبدالناصر، فهو رئيس قدم أشياء كثيرة للفقراء، ورغم مصادرة العديد من الأراضى الخاصة بي أثناء عهده، لكني أرى أن من حق الشعب أن يعيش سواسية ويكون للفقير حق مثل الغني، ولكن للأسف لم تأت فرصة لى أن أقدم شيئًا يخصه، ولكنى قدمت دور محمد نجيب فى فيلم "جمال عبدالناصر" بناء على رؤية المخرج أنور قوادري، كما حصلت على تكريم من الرئيس الراحل أنور السادات كأفضل دور ثان عن فيلم "الصعود إلى الهاوية"، الذي قدمته عام 1978.
هل وافقت على أدوار سابقاً بسبب حاجتك إلى المال؟
- في المقام الأول يجب أن أكون على اقتناع بالدور، وبالتأكيد الفنان يقبل أدوارًا غير راضٍ عنها فى بداية مشواره الفني، ولكني أخيرًا لم أقبل أى عمل سوى الذى أقتنع به، ولا يوجد دور قدمته في مشواري وندمت عليه، فقد اخترت جميع أعمالي بعناية كبيرة.
لماذا لم تفكر في الزواج مجدداً، بعد انفصالك عن زوجتك منذ سنوات طويلة؟
- لأن قلبي لم يعشق سوى السيدة مونيكا مونتيفير، التي عشت معها 15 عامًا، ثم انفصلنا في سلام تام، ولكننا ما زلنا أصدقاء، وبعدها لم أفكر في الزواج وعشت من أجل الفن، ولم أستطع الإنجاب خوفًا من عدم استطاعتي تأدية الواجب تجاه ابني أو ابنتي، ورغم ذلك فأنا لم أفكر في تبني طفل، وهاني مدير أعمالى من أقرب الأشخاص لي، وأعتبر أبناءه أحفادي.
شاركت في الثورة الفرنسية 1968، ما موقفك السياسى فى الوقت الحالى؟
- بالفعل شاركت في ثورة فرنسا وأمسكت بالحجارة، فأنا شخص ثورجي، ولكن على وجه العموم أتابع بشغف أحوال بلدي، كما شاركت في ثورة 25 يناير، ونزلت إلى الشارع واستقبلني الشعب المصرى بحفاوة شديدة وخرجت وقتها على المنصة، وقلت لهم "استمروا ولا ترحلوا إلا عندما تتحقق مطالبكم"، فأنا أحب مصر فوق الوصف، وأقول للسيسي "أمامك مشوار طويل والحمل ثقيل ربنا معاك".
هل فكرت في خوض مجال التأليف بجانب عملك في التمثيل؟
- بالفعل، كتبت تجربة وحيدة أطلقت عليها "عصفور الشوار"»، وهى تتحدث عن أولاد الشوارع، بطولة شخص يسافر من فرنسا إلى مصر ويدخل في مشكلات وصراعات عدة، ولكن المشروع تجمد حتى هذه اللحظات لأننا ما زلنا نبحث عن إنتاج مشترك بين فرنسا ومصر، وهذا المشروع كتبته منذ 8 سنوات، ورشحت له الفنان محمود قابيل، ووافق على الدور، ومن وقتها لم يكن لدىّ أى وقت لشىء غير التمثيل.
لماذا تجمد المشروع حتى الآن؟
- لعدم وجود شركة إنتاج تتحمس له كما ذكرت، كما أن العمل ميزانيته كبيرة، لذا فالأمر يحتاج إلى وقت من التفكير، بخاصة أننى لم أحصل على حقى ماديًا من السينما المصرية، ولم أكن من الفنانين الذين كونوا ثروات من الفن، فأنا أعمل دائماً من أجل الفن والسينما المصرية.
هل أنت من الأشخاص الذين يعبرون عن مشاعرهم بسهولة؟
- على النقيض، نادرًا ما يحدث ذلك، ولكني بكيت بحرقة مرتين، الأولى عند وفاة أحد أصدقائي في فرنسا، فعند وفاته لم أبك ولكني بكيت بحرقة شديدة بعدها بأيام، والأخرى أثناء تكريمي فى اليونيسكو، عندما عُرض مشهد يجمع بين الفنان حسن حسني وياسر جلال ضمن مسلسل "رحيم"، حيث كان ياسر يعتني به وبنظافته الشخصية.
ما آخر الأفلام التى لفتت انتباهك؟
- شاهدت أخيرًا فيلم «فوتوكوبى» للفنان محمود حميدة، وأعجبت بدوره وتفاعله مع الشخصية، كما لفت انتباهى الفنانة شيرين رضا ودورها أيضًا.
هل فكرت يومًا فى الاعتزال؟
- لم أفكر إطلاقًا فى هذا الأمر، وقد قدمت كل شىء فى حياتي الفنية، ولكنني قررت منذ 3 سنوات ألا أقدم شيئًا لا يضيف لرصيدي الفني أو يكون أقل من المستوى الذى داومت عليه طوال عمرى، بخاصة بعدما وجدت المنتجين يحصرون الفنانين الكبار في فئات عمرية معينة، أما الوقت الحالي فالاعتزال جاء رغمًا عني بحكم المرض