مجلس النواب اللبناني

 يشغل بال اللبنانيين على المستويين الرسمي والشعبي موضوع النازحين  السوريين الذي يثقل على الوضع السياسي الداخلي في لبنان التي تعاني فراغا رئاسيا منذ أكثر من عامين وأوضاعا اقتصادية صعبة.

وقد أثار تقرير أممي مؤخرا حول أوضاع اللاجئين في المنطقة وتوطين السوريين قلقا لدى بعض الفرقاء اللبنانيين، على الرغم من تأكيد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ أن قرار التوطين  يعود للبنانيين فقط وهو من اختصاص الدولة، مؤكدة أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عام ولم يذكر لبنان وحل أزمة اللاجئين السوريين في هذا البلد لن يكون إلا بحل سياسي للأزمة في سوريا. وقد ظهر هذا الموضوع إلى العلن الشهر الماضي بعد أن تم الإعلان عن  تقرير صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي حمل عنوان كيفية التعامل مع أزمة النازحين واللاجئين، حيث يدعو مون الدول المستقبلة إلى دمج اللاجئين في الدول المستقبلة لهم. 

وفيما يتعلق باللاجئين السوريين، خصوصاً في الأردن وتركيا والعراق ومصر ولبنان، دعا الأمين العام بحسب التقرير إلى سياسات استيعاب وطنية لدمج اللاجئين، وإلى إصدار الوثائق المتعلقة بتسجيلهم وتوسيع فرص حصولهم على عمل قانوني ودعم العودة الطوعية للاجئين إلى بلادهم وإلى منحهم في الدول المستقبلة وضعاً قانونياً، وأن تدرس أين ومتى وكيف تتاح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنس. كما ظهر إلى الواجهة في الآونة الأخيرة مصطلح رفض التوطين للسوريين من قبل المسؤولين اللبنانيين سواء في المحافل الدولية أو الساحة السياسية الداخلية. وأكد عدد من نواب الكتل النيابية اللبنانية لمراسلة وكالة الأنباء القطرية "قنا" رفضهم التوطين وإن اختلفت درجة المخاوف من ذلك بين كتلة وأخرى. 

وقال النائب سيمون أبي رميا عضو كتلة الاصلاح والتغيير إن كتلة الاصلاح والتغيير هي أول من نبهت من التداعيات السلبية للنزوح السوري على لبنان. ولفت إلى أن لبنان سمع عن تقارير تتعلق بموضوع التوطين منها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. ورأى أن المسؤولية تقع على كاهل مجلس الوزراء اللبناني مطالبا إياه باتخاذ اجراءات تحول دون توطين السوريين في لبنان. 

واعتبر أنه يجب رفع الصوت للمطالبة برفض التوطين وأن يكون هناك وحدة وطنية تجاه هذا الموضوع. من جانبه، أكد النائب ياسين جابر عضو كتلة التنمية والتحرير على إجماع القرار السياسي اللبناني حول رفض التوطين، مبينا في الوقت عينه أن موضوع الوجود السوري هو واقع يجب أن نتعاطى معه بشكل إنساني إلى حين يستطيع هذا الشعب الشقيق تجاوز هذه الفترة الصعبة و العودة الى دياره مع اكتمال الحل السياسي بسوريا. ولفت جابر إلى وجود دراسة للبنك الدولي، تم الإعلان عنها في واشنطن في شهر أبريل الماضي، تؤكد أن معظم النازحين السوريين يعربون عن رغبتهم الشديدة بالعودة إلى وطنهم، مؤكدا أن كتلة التنمية والتحرير ترفض التوطين.

 وقلل جابر من المخاطر التي تقول بتوجه المجتمع الدولي للضغط على لبنان من أجل توطين السوريين لافتا إلى أن ذلك يتم حسب ظروف كل دولة وفقا لما أدلت به المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ التي أكدت أن قرار التوطين يعود للبنانيين فقط وهو من اختصاص الدولة. وشدد على أن لبنان ليس جاهزا لتوطين أحد لا في الحاضر ولا في المستقبل لأنه يوجد ديموغرافيا يجب احترامها، مبينا في الوقت عينه ضرورة تعاون لبنان مع  المجتمع الدولي من أجل تأمين الاحتياجات الإنسانية للنازحين السوريين في لبنان. من جانبه، قال النائب قاسم عبد العزيز عضو كتلة المستقبل إن الكتلة  "ضد التوطين قلبا وقالبا". وقلل من أهمية الكلام عن وجود فرضية حول قيام المجتمع الدولي بالضغط على لبنان من أجل توطين السوريين. وقال "ربما هناك تضخيم لموضوع التوطين". وشدد على أن جميع اللبنانيين متفقون على رفض التوطين منوها بأن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أعلن بكافة المنتديات الدولية أن لبنان بلد صغير ولا مجال للتوطين فيه، وهناك موقف صريح من كل الكتل النيابية والمواطنين أنهم ضد التوطين من كل الفئات والطوائف. بدوره، قال النائب ايلي ماروني عضو كتلة الكتائب لـ"قنا" "كما وقفنا ضد التوطين الفلسطيني في لبنان كذلك نقف ضد أي توطين آخر يغير في الديموغرافيا اللبنانية".

 وتساءل هل لبنان قادر على استيعاب نازحين ثم يصبحوا مواطنين في ظل المأساة الاقتصادية التي يعيشها لبنان؟وأضاف ماروني "نرفض ككتلة رفضا قاطعا توطين السوريين أو غيرهم وسنقاوم بكل الوسائل الديمقراطية التوطين، نحن ضد التوطين والتجنيس ونريد اعادة الاعتبار لهذا البلد". 

وحول كلام بعض الفرقاء اللبنانيين"كتلة الإصلاح والتغيير" بأن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة يحث على توطين السوريين في لبنان، أوضح أن التقرير يتكلم عن اللاجئين بدول المنطقة ككل وليس عن لبنان فقط. من جانبه، قال النائب جورج عدوان عضو كتلة القوات إن هذه المخاطر واقعية ولو كانت غير مترجمة بالقانون، كون التوطين الفعلي القائم عنده نفس المخاطر بصفته توطين قانوني" وذلك نظرا لوجود عدد كبير من النازحين السوريين في لبنان. وتابع "لا يجب أن نستخف بهذا الموضوع خاصة أن الأزمة السورية طالت وأن المعالجات الدولية للأزمة السورية غير جدية مشددا على أن لبنان لا يتحمل العبء من جراء هذا النزوح الهائل. 

وقال "إنه يجب على الدولة اللبنانية أن تتحرك لمعالجة موضوع النزوح السوري"، معتبرا أنه بقدر ما نأخذ مخاطر النزوح على محمل الجد بقدر ما نوفر على اللبنانيين مشاكل. وكان جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني قد كشف في 18 مايو الماضي عن التقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بعنوان كيفية التعامل مع أزمة النازحين واللاجئين، لافتا إلى أن التقرير يتضمن مقاربة حول "أن النهج الأفضل هو استيعاب اللاجئين والحد من الاعتماد على المعونة الإنسانية التي يؤمنها المجتمع الدولي، وضرورة توفير وسائل لاستدامة البقاء، تقوم على النازحين بأنفسهم في الدول حيث هم. وأعرب باسيل عن مخاوفه من تجاهل المجتمع الدولي لقضية النزوح السوري الى لبنان. 

وفي سياق متصل، استدعى وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل في 20 مايو الماضي، المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، لاستيضاح حول ما ورد في التقرير الصادر عن الأمين العام، وأبلغها موقف الحكومة اللبنانية، وسلمها رسالة خطية موجهة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تضمنت رفض لبنان لما ورد في تقرير الأمين العام لناحية استيعاب النازحين في أماكن تواجدهم وضرورة اندماجهم في المجتمعات ووضع السياسات الوطنية من قبل الدول للتكيف مع بقائهم وصولا الى إعطائهم الجنسية. وأكد في رسالته على "موقف لبنان برفض التوطين وأي شكل من أشكال التجنيس وأي شكل من أشكال البقاء الطويل للسوريين". 

واعتبر أن "الحل الوحيد هو بعودتهم السريعة والآمنة الى وطنهم سوريا". وعقب ما كشفه باسيل، توالت التصريحات على لسان المسؤولين اللبنانيين وهو ما جاء على لسان تمام سلام رئيس مجلس الوزراء اللبناني في تصريح له على هامش مشاركته في القمة العالمية الإنسانية التي عقدت في اسطنبول شهر مايو الماضي الذي أكد رفض بلاده لتوطين السوريين تطبيقا للدستور. 

وقال سلام "بلدنا لا يستطيع، بحكم دستوره، أن يقبل أو يوافق على أي شكل من أشكال دمج السوريين أو توطينهم أو تجنيسهم". وأضاف: "نعرف جميعا أن الحل السياسي هو وحده السبيل الى إنهاء النزاع في سوريا. ونحن نعتقد أن العودة التدريجية للنازحين السوريين الى مناطق آمنة في بلدهم، ستؤثر بلا أدنى شك على مسار عملية المصالحة. وأكد سلام أن عودة اللاجئين الذين فروا من وطنهم يجب أن تكون إحدى الأولويات الرئيسية. ونحن ندعو الأمين العام الى تفعيل دور الأمم المتحدة وحشد الطاقات الأخرى من أجل تحقيق هذه الغاية بالتعاون مع الاطراف المعنيين. 

من جانبه، قال رشيد درباس وزير الشؤون الاجتماعية في كلمة له خلال شهر يونيو الجاري إنه لا توجد لدى الدولة اللبنانية جوازات سفر إضافية للبيع أو الإيجار ولا توجد لدى الشعب اللبناني نية الاشتراك الجرمي في تجريد الشعب السوري الشقيق من هويته وأرضه عبر إغرائه بالجنسية البديلة، ذلك أن الشعبين اللبناني والسوري ومن موقع الأخوة المطلقة يرفضان التوطين جملة وتفصيلا ويصران على وقف الحرب لكي يعود أشقاؤنا إلى بيوتهم المدمرة وحقولهم المجرفة لأنهم راغبون حتما وقادرون فعلا على إعادة الإعمار. وكان رشيد درباس وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني قد أعلن الأسبوع الماضي"أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعكف على إجراء إحصاء دقيق للنازحين السوريين المسجلين تمهيداً لإصدار بطاقة تعريف، ستُمنح إلى كل نازح.وأوضح أن الحكومة اللبنانية تحاول أن تتكيف مع طلبات الدول المانحة من دون أن تخرج عن الثوابت الوطنية، مشددا على أنه "ليس واردا لدينا التطبيع مع واقع النزوح ولا الاشتباك مع المجتمع الدولي في الوقت ذاته". 

وأشار إلى أن أحد أمثلة المرونة المدروسة التي ستعتمد في مقاربة ملف النازحين، من دون تجاوز الخطوط الوطنية الحمر، هو الاشتراط على النازح التقيد بالقوانين اللبنانية بدل أن نشترط عليه ألا يعمل، وهكذا دواليك، لافتا الانتباه الى ضرورة تدوير الزوايا، بحيث نوفق بين حقوق النازحين والمصالح العليا للبنان التي لا يمكن أن نفرّط بها. هذه المواقف والتصريحات الدولية استدعت ردا من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ التي أعلنت خلال لقائها باسيل أن قرار التوطين  يعود للبنانيين فقط وهو من اختصاص الدولة. وأكدت أن "تقرير بان كي مون عام ولم يذكر لبنان وحل أزمة اللاجئين السوريين في هذا البلد لن يكون الا بحل سياسي للأزمة في سوريا". 

وشددت على أن تقرير بان كي مون لم يتحدث عن توطين أو تجنيس للنازحين السوريين في لبنان. وكانت مصادر نيابية لبنانية مواكبة لهذ الموضوع قد قالت إن تقرير بان كي مون الذي جرى الحديث عنه وزع في 21 أبريل الماضي وهو موجه إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة تحضيراً للاجتماع الدولي في 19 سبتمبر القادم، ويتعلق بقضية تشمل ربع مليار لاجئ من أنحاء العالم. ولفتت المصادر إلى أن المادة 86 من التقرير غير الملزم تتضمن عبارة "ينبغي أن تمنح الدول المستقبلة للاجئين وضعاً قانونياً وأن تدرس أين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنس"، مما أثار الريبة في لبنان، الأمر الذي أوضحته منسقة الأمم المتحدة في لبنان. 

وسارعت الأمم المتحدة إلى وضع حد فوري لتفسيرات لبنانية ساخطة لتقرير وضعه الامين العام بان كي - مون تحضيراً لاجتماع في سبتمبر المقبل حول "التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين"، فنفت نفياً قاطعاً أي اتجاه لديها إلى حمل لبنان على تجنيس اللاجئين السوريين أو توطينهم. ويعاني آلاف النازحين السوريين في لبنان أوضاعا إنسانية صعبة فرضتها عليهم النار المستعرة في بلدهم وزادت في وطأتها شعورهم بأنهم عبء على الدولة المضيفة خاصة بعد أن برزت هواجس من توطين السوريين من قبل الجهات الرسمية اللبنانية. ولم يكن النازحون السوريون في لبنان بمنأى عن إحساس اللبنانيين بالقلق والعبء جراء وجودهم في بلدهم. والتقت مراسلة وكالة الأنباء القطرية "قنا" في بيروت عددا من النازحين السوريين الذين أكدوا رغبتهم العودة الى ديارهم فور وقف آلة القتل في بلادهم، واشتكوا الظروف المعيشية الصعبة في ظل الإجراءات التي تتخذها السلطات اللبنانية لحماية البلاد من موجة النزوح في البلد الذي يعاني أوضاعا اقتصادية صعبة مع دين تجاوز73 مليار دولار وسط تقديرات وزارية بأن تكلفة النزوح السوري قاربت 20 مليار دولار.