بقلم/حسام الخرباش
في ظل الوضع الاقتصادي المتردي باليمن ؛ نتيجة الحرب كان الطفل أسامة يدرس في المدرسة، وحملته الظروف على ترك الدراسة؛ لعدم قدرة والدته الأرملة على تحمُّل نفقات تعليمه. ولم يتحمل أسامة قسوة الحياة ووجع الجوع، وقرر مغادرة المنزل للبحث عن عمل، قرر أن يواجه الظروف الصعبة ويتحمل مسؤوليةً أكبر من سنه فقد فرض الواقع عليه ذلك.
غادر أسامة بحثًا عن عمل، عاش مرارة الحياة، وواجه صعوبة في حصوله على عمل، كان أسامة يمتاز بالأخلاق والالتزام الديني، وفي إحدى المناطق التي كان يبحث فيها عن رغيف العيش كان يتردد أسامة على أحد المساجد كثيرًا ليؤدي صلاته، وهناك التقى أسامة برجل كان يراه دائمًا، وتبادلا الحديث، وعلم الرجل أن أسامة ذو عقل نقي، ويحتاج إلى عمل إضافة إلى كونه بعيدًا عن أسرته، ووعد الرجل الطفل بإيجاد عمل له، في اليوم الثاني التقى أسامة بالرجل وحمل له الرجل بشارة أنه قد عثر له على عمل في أحد مراكز تحفيظ القرآن حيث أن هذا المركز يتبع صديق للرجل وهو شيخ دين سوف يعلم أسامة أمورًا كثيرة بالدين ليعمل بعد التعليم داعية إسلامي ويتكفل خلال فترة تعليمه بأكله وشربه ومبلغ رمزي يقضي به حاجته.
وابتسم أسامة وشعر بالسعادة كونه سيكون داعية في أحد الأيام، وسيحل معضلة رغيف العيش بنفس الوقت، ولم يتردد أسامة بقبول العرض وأخذ الرجل أسامة إلى منطقة ريفية فيها منزل يتخذه الشيخ الذي سيحفِّظ أسامة القرآن ويعلمه طرق الدعوة. والتقى أسامة بالشيخ، وكان سعيدًا بذلك لا يعلم ما هو القادم فطفولته البريئة لم تكن تحمل غير الأفكار النقية .
وتحدث الشيخ مع الطفل وأنه يرى فيه شخصًا مناسبًا ؛ ليخدم دينه ويتعلم ويسلم الكثير على يده، هذا الحديث زاد من حماس أسامة للتعلم والوقوف إلى جانب الشيخ الذي بنظر أسامة شيخ يمتاز بالإنسانية وحبه لدينه والمجتمع بحسب حديثه، لم يكن أسامة وحده هناك كان يتواجد عدد من الأطفال بسنه عايشوا ظروفًا مماثلة للتي عاشها أسامة، وطلب الشيخ من أسامة أن لا يخبر أحد بمكان تواجده، وما يفعله كون السلطات تحارب دعاة الدين، ويتعرضون لمضايقات وافق أسامة على طلب الشيخ ودخل قائمة الضحايا بكل براءة.
ومرت الأيام وكان أسامة ومن معه من أطفال كل يوم يحضرون محاضرات وحلقات الشيخ الذي يكلفهم ببعض الأعمال أحيانًا. وكان تواصل أسامة مع أسرته منقطع فقد أبلغ أمه أنه وجد عملًا مع رجل يفعل الخير ويقدم له الخدمات، وزرع الشيخ الأفكار الجهادية بشكلٍ تدريجي في طفولة أسامة ومن معه، وقام بشحنهم بجرعات متدرجة بالإرهاب ؛ لكنهم لم يكونوا يعلمون ذلك ومع الوقت تغلغل الإرهاب ببراءة وعفوية داخل أسامة ومن معه، بعدها عرض عليهم الشيخ الذهاب إلى الجهاد لم يتردد أسامة ومن معه بالقبول فقد كان يغلبهم الشوق للجهاد الذي تغلغلت أفكاره على مدى الوقت في عقولهم .
وأرسل الشيخ أسامة ومن معه لإجراء البيعة، وهي مبايعة زعيم لجماعة متطرفة على الولاء لم يكن مدرك أسامة خطورة ذلك، وأن تراجعه مستقبلًا عن تلك الجماعة سيكلفه حياته أو حياة أسرته، وتحول نقاء تفكير أسامة إلى أحقاد، وسماحته إلى نشوة جهاد، وبات هو ومن معه ضحايا لتنظيم الأوغاد. وقطع أسامة تواصله بأمه، وانتقل إلى معسكر تدريبي، وسعى التنظيم "الإرهابي" إلى قطع علاقة أسامة بأسرته حتى يكون سلاحًا لا يوجد تأثير عليه، وبالفعل نجح "الإرهاب" بتفخيخ طفولة أسامة مستغلًا براءته وظروفه وحرصه على دينه، وانتزع الإرهاب من أسامة الطفولة والدين وحياته، فأسامة الذي يقاتل الآن في صف التنظيم الإرهابي قد يُقتل في معركة، أو حين يُدرك خطورة هذه الجماعة ويُقرر التراجع، فقد باع حياته بالبيعة للتنظيم، ولم يكن يدرك الخطر في أنه أقر على إعدام نفسه بكل عفوية. وتسبب الفقر والانقطاع عن التعليم وعدم امتلاك خبرة كافية بالحياة بتحول أسامة إلى "إرهابي" يرتكب الجرائم، ويقاتل إلى صف المجرمين دون إدراك ذلك.
أرسل تعليقك