يونس الخراشي
لم يكن أحدنا يظن يومًا بأن الأماكن في الطائرة مرهونة بمن يأتي أولاً، وأن من لم يحضر ساعة السفر فلن تقبل منه شكوى، غير أن هذا ما عشناه ونحن نستعد للتوجه إلى البرازيل في الخامس من أغسطس/آب الماضي، إذ عرفنا، وطائرة الخطوط الملكية تستعد للإقلاع، بأن الزميلين جمال اسطيفي ومحمد الروحلي طلب منهما أن يأتيا بعد يومين حتى يتسنى لهما الرحيل إلى ريو دي جانيرو، على أساس أن الأماكن كلها صارت مشغولة.
الزميلان اسطيفي والروحلي قالا لنا، ونحن فوق السحاب، إن صديقنا رئيس جامعة المصارعة فؤاد مسكوت، والذي كان معنا في الرحلة نفسها، دخل على الخط، فأرغى وأزبد، إلى أن تغير اقتناع من يعنيهم الأمر، ليسمح لهما بالصعود إلى الطائرة، والجلوس في مكانيهما، متسائلين عما إذا كان هذا يعني أن أحدًا ما أدى الثمن دون أن يركب الطائرة.
ظلت أسئلة كثيرة تدور في دواخلنا بهذا الشأن، وضمنها سؤال بديهي طرحناه على الزميلين، ومفاده "هل تأخرتما حتى يقع ما وقع؟"، فكان الجواب بالقطع "كلا، بل جئنا في وقت مبكر جدًا، وحين اتجهنا إلى حيث ينبغي علينا أن ننجز الإجراءات المطلوبة، كانت المفاجأة، وهذه أول مرة نعرف فيها بأن من ينجز الإجراءات أولاً يصعد إلى الطائرة، وأن التذاكر مثلما يحدث في ملعب محمد الخامس تفوق السعة الحقيقية للملعب".
الرحلة كانت طويلة جدًا، واستمرت ما يفوق تسع ساعات، ودارت فيها أحاديث كثيرة، وأنا شخصيًا جربت فيها كل تلك الجمل البرتغالية التي تعلمتها من "غوغل تراديكسيون"، وبخاصة من جهازه الناطق، ذلك أن جاري لم يكن سوى برازيلي يشتغل وكيلاً لأعمال جملة من اللاعبين، وكان رجلاً لطيفًا جدًا، كلما استيقظ من النوم إلا وبش وجهه، وفتح معي نافذة للنقاش.
قال لي جاري إنه زار المغرب ثلاث مرات، واكتشف أنه بلد جميل، وطلب مني أن أحدد له ما إذا كنت من عشاق الوداد أم الرجاء، وزاد:"لا تراوغني، قل لي الحقيقة، فهذا الأمر ليس فيه فصال"، ثم وضح لي بعض الأشياء تخص البرازيل، على أن الأهم من كل الذي دار بيننا أنني فهمت منه شيئًا يخص رحلتنا، وهو أن اللغة الثانية في البرزيل هي البرازيلية؛ أي البرتغالية، قال بالحرف:"البرازيلية هي اللغة الثانية والثالثة والرابعة"، ثم ضحك ضحكة صغيرة، وعاد إلى النوم.
ولأنني عادة لا أنام إلا لمامًا، مهما طالت الرحلات، فقد جلت في بصري مطولاً في الطائرة، حتى أتعرف إلى الركاب، وأشتغل بشيء آخر غير تلك الهلوسات التي تملأ الرأس، وتقول لك بطرق مختلفة إن هذه القطعة من الحديد التي تطير فوق السحاب قد تسقط فجأة، وينتهي كل شيء بوقع مؤلم للغاية، وحينها وجدت بأن أغلب الركاب ليسوا مغاربة، بل حتى المضيفون أيضًا، إذ بينهم أفارقة، من السنيغال على الأرجح.
وفي مطار ساو باولو، إحدى الحواضر العظمى للبرازيل، غيرنا الأماكن، وانتظرنا لمدة ساعة تقريبًا حتى ينتهي عمال النظافة من عملهم داخل الطائرة، فيما كان الفريق العامل، الذي قادنا إليها، يودعنا ليترك مكانه لفريق آخر سيواصل بنا نحو ريو دي جانيرو، ويصعد ركاب جدد سنعرف لاحقا بأنهم عائدون إلى المغرب.
وقلت لنورالدين بلحسين، أحد قيدومي المصورين المغاربة:"يبدو أنها رحلة طويلة أكثر مما توقعنا"، وقال لي ونظارتيه فوق جبينه:"المهم أننا نوجد على متن الطائرة، ولتطل الرحلة ما شاء لها أن تطول"
أرسل تعليقك