بقلم/ صلاح الدين أركيبي
في سنة 1982 قام سمير عبده بترجمة كتاب "علم النفس الديني" )منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت- الطبعة الأولى 1405هـ-1985م( لعالم النفس "سير سيريل بيرت"(1883-1971) الملقب بعميد السيكولوجيين العالميين، محاولا في تقديمه له استحضار سيرة صاحب هذا الكتاب الذاتية ومزاياه الفردية وإنتاجاته العلمية، حيث تركزت إنجازاته على المداخل الأكثر نظرية مثل السيكولوجية الفردية وعلم النفس الشخصية، معتبرا أن كتاباته ونظرياته لازالت تشكل موضوع جدال كبير ومعرضا للنقد لدرجة أن خصومه اتهموه خلال حقبة خمسينيات وستينيات القرن الماضي بتزوير الحقائق لخدمة مصلحته الشخصية.
ودعا سمير عبده إلى ضرورة تجنب مثل تلك النقاشات والتركيز على المكانة التي تتمتع بها نظريات هذا العالم في تاريخ علم النفس دون الاهتمام بمدى صدق براهينها خصوصا ما يتعلق بتحليل الفردية أو المفارقة من منظور سيكولوجي، كما عَنْوَنَ سيكولوجية "بيرت" العامة بالسيكولوجية الإنسانية لاهتمامه بالإنسان ككائن حي موجود في محتواه الإنساني بكل أبعاده.
ينطلق "سير سيريل بيرت" في تناوله لعلاقة الديني بالسيكولوجي من تحديد ما ينبغي على عالم النفس أو الباحث النفسي أن يراعيه عند دراسته للدين لاسيما ضرورة توخي النزاهة ووضع مسافة بينه وبين دينه وانتمائه وعدم التمييز بين مختلف العقائد والشعائر التي يجب أن تمر أمامه كمجموعة من الحقائق تلاحظ وتوازن، معتبرا أن أول مسألة يواجهها هي: كيف ينشأ الدين وكيف يتطور وينمو؟ من خلال الاستعانة بعلمي الأجناس والتحليل النفسي وذلك للبحث في الإرهاصات الأولى للدين في سلوك المتوحشين الفطري وفي أوهام الطفل الصغير ليجد ما اعتبره مقدمة للعبادات الراقية عند الكبير؛ حيث استنجد في ذلك بلفظة أنيمزم Animism للعالم E.B.Taylor التي تعني القول بحيوية الأشياء، باعتبارها نظرية ترى أن مسألة الاعتقاد في الأرواح وتَأْلِيهِهَا تقدم لنا أضيق تعريف ممكن للدين، إذ ظل الباحثون يفترضون أنها مصدر التصورات الدينية لدى المتوحشين، رغم أن تلك التصورات تكاد تكون عامة في مراحل معينة من تطور الإنسان؛ وقد شبه التصورات الدينية الموجودة لدى المتوحشين بالصور الذهنية البصرية التي يراها الأطفال والعرافون بعيون عقولهم بوضوح وفي خيالهم في أحلام نومهم ويقظتهم فيسمونها أطيافا وأشباحا نظرا لعدم توفرهم على كلمة سيكولوجية مناسبة تصف تلك الصور الذهنية.
إن الاعتقاد الواضح في القوى أو المؤثرات الشخصية إنما هو تطور متأخر نسبيا، حيث فرق "سير جيمس فريزر"-رغم قبوله لرأي "تايلور" في الدين بالمعنى الضيق- جيدا بين الدين والسحر، معتبرا أن عصر السحر قد سبق عصر الدين واصفا السحر كنوع من العلم البدائي والساحر بالساذج لاعتقاده في قدرته على فعل الخوارق بالبحث عن القوانين الخفية للطبيعة دون الابتهال إلى قوة عالية تتدخل بالنيابة عن الإنسان.
أرسل تعليقك