عندما كنت طفلا كنت اعشق مسرح الدمى المترجم باللغة العربية, حيث البطل الضفدع كيرمت, وحبه الكبير ل"ماغريت", والتنافس بين شخصيات المسرح, وكنا نتشاجر أحيانا أنا وأخوتي وأصدقائي حول الشخصيات, ومن هو الأفضل, إلى أن حصلت الصدمة الكبيرة لي, عندما اكتشفت أن الأبطال الذين تأثرت بهم, يتم تحريكهم عبر خيوط, فهم لا حول لهم ولا قوة, ولولا الأشخاص الواقعين خلف الستار لما تحرك " الضفدع كيرمت" وكل شخوص المسرح.
بل اتضح لي فيما بعد أن التنافس والصراع والقيم المختلقة, كلها مجرد وهم صنعه لي من يملك خيوط الدمى, حيث جعل الكذبة التي اختلقها, هي الأساس الذي يتشكل عليه وعينا.
من ينظر من الأعلى لعالم السياسة العراقي, فيجده عبارة عن مسرح كبير للدمى القبيحة, فالساسة مجرد دمى لا تملك القرار ولا الإرادة, بل حياتها مرتبطة باستمرارية بقاء الخيوط, والتي تمدها بالحركة.
الصراع السياسي الجاري في العراق, هو بالحقيقة ليس صراعنا, بل صراع الآخرين, فالمحاور الإقليمية موجودة, وهي تخطط لأهداف بعيدة, وفي كل مسرح لها دمى, تحركها عبر خيوط الدعم والتكبيل, فالسياسي عندما يقبل الارتباط بالخارج هو يحصل على الدعم, لكن بالمقابل يصبح أسير للقوى الخارجية, التي تفرض عليه أداء معين, ولا يمكنه الخروج عنه أبدا, الا أن يعتزل مسرح السياسة أو يموت.
صناعة البطل هو اخطر ما تتقنه المؤسسات الغربية السرية, فتعمل على رسم خط معين لسياسي, مع دعم إعلامي وتضخيم للصورة, وحمايته من ردود الأفعال, فانه سيكون بطلا, ويحصل على رضا الشعب المدجن, الذي يجد كل الحقيقة في ما يتلقاه, من دون محاولة للفهم عبر تفكيك الصور التي تصله, وهكذا يمكن بين ليلة وضحى أن يولد بطل تتبعه الجماهير, وهو بالحقيقة مجرد دمية تحركها يد تقع خلف الستار.
ما حصل قبل أيام في البرلمان لا يمكن اعتباره من الصدف, ولا هو بصحوة ضمير, بل أن الأمور تجري على نحو دقيق, اتفاقات وترتيب على الأدوار, وما قام به وزير الدفاع مبني على خط مرسوم له, وما يؤكد هذا زيارته إلى واشنطن الأخيرة وتحقيق رضا القادة العسكريون هنا, وبعدها تصريحاته الايجابية نحو إيران, ثم زيارته لقادة الكتل إلى حد ليلة الاستجواب, ثم تحركه بعد الحدث, بزيارة مرقد أبو حنيفة في الاعظمية ومرقد الإمام الكاظم في الكاظمية, وختمها بزيارة دار للأيتام في شارع فلسطين وتبني طفل يتيم, هذا لا يكون بالصدفة أو فجأة, حيث تحولت حركة العبيدي بهذا النسق والتأثير, هناك مخطط وقوة خلف الستار هي من تمده وتحركه.
على المتابع أن يفهم انه لا يوجد أبطال في مسرح العرائس العراقي, ولا يتوفر عندنا فرسان نبلاء, كما نقرأ عنهم في روايات الأدباء, وعندها تنكشف لنا الكذبة الكبرى, وتظهر الدمى على واقعها البسيط.
فهل وصلتك الرسالة أيها القارئ؟
أرسل تعليقك