كشفت صحيفة بريطانية عن معاناة عائلة عراقية هربت خمس مرات من مدينة الفلوجة بسبب أحداث مختلفة شهدتها المدينة في سنوات الحرب. وقالت السيدة ريما، وهي واحدة من أعضاء عائلة "العيساوي" المؤلفة من 40 شخصاً على الاقل، إن الحياة في الفلوجة كانت سهلة وجميلة، مضيفة: "كنت اتنقل بين المنازل لزيارة أعمامي وعماتي فقد تم بناء المنازل بالقرب من بعضها البعض. لم يكن هناك أي قلق حول الدخل أو الأمن وإذا حدثت أي مشكلة، فإن الشيوخ يتدخلون لانهاء هذا الامر بسرعة".
وحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية حول هذه العائلة، أنه منذ عام 2004، هرب أفراد عائلة "العيساوي"من منازلهم ليس لمرة واحدة ولكن لخمس مرات على الأقل، حيث كانت البداية مع الغزو الأميركي للعراق وبعد ذلك بسبب الحكومة العراقية ومن ثم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل أن يتم طرده من المدينة هذا الصيف .
ولقي بعض رجال عائلة العيساوي مصرعهم خلال هجمات جوية، والبعض الاخر اختفى قسراً. وقالت ريما: "يسأل الأطفال عن آبائهم دائماً. اللعبة التي يقومون بلعبها دائماً بعد القيام بزيارة قبور أبائهم هي مد اجسادهم على الأرض مثل الموتى".
ومع بدأ عودة السكان المحليين مرة أخرى إلى الفلوجة، كان لدى عائلة العيساوي خياران: الأول هو العودة إلى المنازل المهدمة والمخاطرة بتعرضهم للهجرة مرة آخرى في المستقبل، اما الخيار الثاني هو نسيان مدينتهم إلى الأبد.
وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان من الواضح أن بغداد هي الجائزة والبصرة هي التحدي، ولكن سرعان ما اصبحت الفلوجة شوكة في حلق أميركا. لقد قتلت القوات الاميركية عددًا من المتظاهرين في الفلوجة في أبريل/نيسان 2003، مما جعل المقاومة في المدينة تقوم بتكثيف عملياتها ضدهم.
وفي أبريل/نيسان 2004، شنت الولايات المتحدة سلسلة من الغارات الجوية مما تسبب في فرار نصف سكان المدينة، ولم تكن عائلة ريما استثناءً حيث فرت هي أيضًا إلى بغداد. وبعد 25 يوماً تم الاتفاق على هدنة في الفلوجة، مما ادى إلى عودة العائلة الى المدينة. ولكن هذه الهدنة كانت مؤقتة، حيث أنه بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني شنت القوات الأميركية هجومًا آخر على الفلوجة بشكل أكثر عنفاً.
في هذه المرة، اختلف بعض افراد عائلة العيساوي مع بعضهم البعض حول إذا كان يجب عليهم ترك المدينة أم لا، وذلك في الوقت الذي فر فيه 90% من سكانها. لقد ذهب العديد من النساء والأطفال الى عامرية الفلوجة والتي تبعد حوالي 12 ميلاً إلى الجنوب، كما أن بعض أعمام وأبناء عمومة ريما انتقلوا إلى بغداد.
قرر والد ريما واشقاؤها البقاء في الفلوجة. وقالت عن ذلك: "والدي وعمي كانا يريدان البقاء في المدينة حتى نهاية المعركة، ولكن الطائرات الحربية الأميركية لا تفرق بين المقاتلين أو المدنيين، ولذلك قامت بقتلهما في إحدى هذه الغارات. وفي عام 2005، اقتحم عدد من المقاتلين الشيعة الذين كانوا يرتدون ملابس رجال الشرطة منزل ريما في بغداد من أجل البحث عن شقيقها وزوجها، حيث قاموا باختطاف زوجها وقتله. ولم تعثر ريما على جثة زوجها حتى يومنا هذا. وهذه المرة لم تكن الحرب هي التي دفعت عائلة ريما إلى ترك الفلوجة، ولكن كان الحزن. فقد جاءت العائلة إلى بغداد للوقوف الى جانبها بعد وفاة زوجها.
وفي عام 2014، نجح "داعش" في السيطرة على الموصل، وبدأ يتقدم نحو الرمادي والفلوجة، مما جعل بعض من اعضاء عائلة ريما من بينهم والدتها وشقيقاتها إلى ترك المدينة والتوجه إلى بغداد من أجل العيش معها. ولكن فضل اشقاء ريما واولادهم البقاء في الفلوجة.
وقالت احدى عضوات العائلة التي هربت إلى بغداد: "الوضع هنا فظيع. عليك الانتظار لساعات من أجل الاستحمام نظراً للعدد الكبير من الناس الذين يعيشون في المنزل، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ داعش استول على منزلنا في الفلوجة".
وبعد تصاعد اعمال العنف في الفلوجة، طلبت والدة ريما، زهرة من اولادها أن يأتوا إلى بغداد، ولكن اثناء رحلتهم بصحبة زوجاتهم واولادهم اوقفهم مقاتلو "داعش" وقاموا باحتجازهم للاشتباه في تعاونهم مع الحكومة العراقية.
وقالت زوجة شقيق ريما انه اثناء احتجازهم لدى "داعش"، شنت القوات الأميركية غارة جوية ضد مقاتلي التنظيم وهو الأمر الذي سمح لهم بالهرب، مشيرة إلى أن قوات الأمن العراقية سمحت للنساء والأطفال فقط بدخول بغداد، ولم تسمح للرجال وذلك من أجل التحقق من بعض الأمور أولاً.
وتوجهت النساء والأطفال إلى منزل ريما وكانوا متوقعين وصول الرجال بعد انتهاء التحقيقات، ولكن لم تصل أي انباء عنهم. وبعدها تواصلوا مع محامٍ من أجل معرفة مكان الرجال، ولكن بعد فترة اتصل بهم المحامي واخبرهم بأن شقيق ريما الأكبر قد لقي حتفه بسبب تعرضه للتعذيب وأن شقيقها الاخر لا يزال محتجزاً.
وقالت زهرة: "أحلم بأن يخرج ابني الأصغر من السجن حتى نتمكن من العودة إلى الفلوجة، نحن لا يمكننا أن نبقى مع ريما إلى الأبد".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر