وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى ألمانيا مع تصاعد الاحتجاجات بشأن اتفاق جديد للتجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا. ويبدو أن شراكة التجارة و الاستثمار عبر المحيط الأطلسي (TTIP) أصبحت مهمة صعبة، خاصة في ألمانيا، مع انطلاق الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع "هانوفر"، السبت.
ووفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، وصل أوباما إلى المدنية، صباح الأحد، بعد يوم من تعزيز معاهدة في لندن، ثم افتتح أكبر معرض تجاري صناعي في العالم في هانوفر مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، قبل عقدهم اجتماع لمناقشة شراكة ((TTIPوغيرها من القضايا، بما في ذلك جهود مواجهة تنظيم "داعش".
كما شملت موضوعات النقاش أيضا تحسين التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتشجيع البلدان على تبادل المعلومات إنفاذ القانون. ولكن العامل الرئيسي وراء زيارة أوباما لألمانيا كمحطة الأخيرة كرئيس للولايات المتحدة كان (TTIP)، إذ أنه يخطط للانضمام إلى ميركل في هانوفر، أكبر معرض تجاري التكنولوجيا الصناعية في العالم، لتعزيز الاتفاق.
بالتزامن، خرج الآلاف من الناس إلى الشوارع للاحتجاج في هانوفر السبت، قبل يوم واحد من وصول الرئيس الأمريكي. ورفع بعضهم لافتات مكتوب عليها: "نعم نستطيع، أوقفوا TTIP!"، كنوع من الاستهزاء بشعار حملة أوباما الانتخابية للرئاسة عام 2008.
وقال منظمو الاحتجاجات، إن 90 ألف شخص حضروا المظاهرة في هانوفر، ولكن قدرتهم الشرطة بأنهم نحو 30 ألف. وفي نوفمبر/تشرين ثان الماضي، تظاهر أكثر من 100 ألف شخص في برلين احتجاجا على الاتفاق المقترح.
في المقابل، رأى مؤيدون أن هذا الاتفاق يعزز النشاط التجاري في وقت من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، فيما يخشى منتقدون منتقدون من تآكل حماية المستهلك والمعايير البيئية.
ويحاول المفاوضون في واشنطن وأوروبا وضع اللمسات الأخيرة للأجزاء الرئيسية للاتفاق قبل نهاية العام، إذ أن هناك مخاوف من أن خليفة أوباما في الرئاسة والحملات الانتخابية في الدول الأوروبية الكبرى قد تزيد من تعقيد المفاوضات الصعبة بالفعل.
وتأتي المناقشات، التي من المقرر أن تستأنف الاثنين في نيويورك، في ظل انتقادات للطريقة السرية التي تجري بها. ويسمح للنواب الوطني فقط بعرض مشاريع الوثائق في غرف قراءة خاصة وممنوعة من الحديث عن الوثائق مع الخبراء ووسائل الإعلام أو ناخبيهم. كما أن المقترحات بإنشاء لمحاكم تسوية المنازعات أذكت المخاوف أيضا.
وقال المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم، إنه يجب توخي الحذر من المحاكم الاستثمار الخاصة التي ستحكم في النزاعات بين الحكومات والشركات التي تشعر أنها تواجه عقبات قانونية لا لزوم لها لأعمالهم.
ورأى منتقدون أن هذه المحاكم يمكن أن يضع مصالح الشركات فوق مصالح الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا، في إشارة إلي قضية حديثة تم فيها رفع دعوى ضد عملاق التبغ شركة "فيليب موريس أوروغواي" وفقا لقانون يفرض التحذيرات التصويرية على علب السجائر.
وقال أستاذ القانون الدولي وخبراء حقوق الإنسان في أميركا ألفريد دي زاياس، إن هذه المحاكم غير ضرورية في البلدان التي تلتزم بسيادة القانون، مثل الولايات المتحدة أو 28 دولة في الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لمؤيدو هذه المحاكم الخاصة، فإنها من شأنها أن تمنع حالات لم يسمع عنها هيئة المحلفين الأميركيين، الذين لا يفهمون تعقيدات القانون التجاري الدولي، فضلا عن ضمان أن هذه الشركات الأمريكية لن تواجه التمييز في الدول الأوروبية مع ارتفاع معدلات الفساد.
ورأى عضو البرلمان الألماني ومنسق الحكومة للتعاون عبر الأطلسي يورغن هارت، أن بعض ممن يقودون المعركة ضد (TTIP )"لديهم دوافع أخرى وراء التجارة، وإنهم "يريدون أيضا التحريض على المشاعر المعادية للولايات المتحدة".
وتسعى السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لتعزيز الفوائد المترتبة على الصفقة. فعلى موقعها على الإنترنت، أشارت إلي أن TTIP سيعزز الطلب على الأطباق الأوروبية مثل الجبن ولحم الخنزير، والنبيذ وزيت الزيتون، والأرواح، والشوكولاتة.
وأوضحت أن "تعريفات الجمارك عالية في الولايات المتحدة، وتصل إلى 30 %، وهو أمر من الصعب على الأميركيين تحمله، كما أن صعبا على المزارعين والشركات الأوروبية المصدرة". ويأمل أنصار TTIP أن صور أوباما في أوروبا، حيث لا تزال شعبيته عالية، ستواجه عشرات الآلاف احتجاجا على الصفقة.
من ناحيتها، قالت المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل ،في رسالتها الأسبوعية عبر الفيديو، السبت، إنه تم القيام بكل شيء لتحسين الشفافية في المفاوضات، في حدود المعقول، وصرحت أن المعايير الأوروبية لن تتآكل. وأضافت:"لن نتخلف عن معاييرنا، ولكننا نسعى لتأمين ما لدينا في أوروبا اليوم في البيئة وحماية المستهلك".
ويبدو أن الوقت قد بدأ ينفد للتوصل إلى اتفاق،إذ قال المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الألمانية أندرياس أودرتشيس، إنه لم يتم تبادل أي مشروعات مقترحات حول كثير من الموضوعات في التفاوض. ويختلف الجانبان الأميركي والألماني أيضا حول مسألة خفض الرسوم الجمركية وفتح أسواق الخدمات والمشتريات.
وأضاف أودرتشيس، أنه "من أجل تحقيق نجاح التفاوض هذا العام، سيكون من الحسم إحراز تقدم كبير بحلول الصيف بشأن المسائل التقنية، بحيث تقتصر المفاوضات النهائية على عدد قليل من الموضوعات الحساسة سياسيا".
وقال أوباما إنه "من المهم اختتام المفاوضات"، على الرغم من أنه ليس من المرجح الكونغرس أن يصدق على الاتفاق قبل أن يترك منصبه. وأضاف في مقابلة مع "بي بي سي"، الأحد،:"إذا كان لدينا هذا الاتفاق، فإن الرئيس المقبل يمكنه تنفيذه سريعا"
وأضاف:" لا يزال هناك حواجز موجودة تمنع الشركات والأفراد الذين يقدمون الخدمات لبعضها البعض لتكون قادرة على أن تقديم قادرة خدماتها بسهولة، على الرغم من "كميات التجارة الهائلة " بين الولايات المتحدة وأوروبا. وتابع:"الاتفاق سيحقق الملايين من فرص العمل ومليارات الدولارات من الفوائد لكلا الجانبين من المحيط الأطلسي".
ولكن أوباما أكد أن "التفاوض بشأن الاتفاقات التجارية صعب"، لأن كل بلد تناضل من أجل مصالحها الخاصة. ورأى أن "العامل الرئيسي بين الولايات المتحدة وأوروبا، إنهما يحاولان بعض الاختلافات التنظيمية التي تجعل من الصعب القيام بأعمال تجارية ذهابا وإيابا". و يشعر منتقدون بالقلق من أن ذلك من شأنه أن يضعف حماية المستهلك والمعايير البيئية.
وتعد ميركل قائدة عالمية، عمل معها أوباما طوال فترتي رئاسته، في السراء والضراء، وكان يخطط لاستخدام هذه الزيارة لإظهار التضامن السياسي. وقال أوباما إنه يريد أن يثني عىل ميركل لتعاملها "الشجاع" مع قضية الهجرة.
وتسبب قرار ميركل بالسماح بالتوطين في ألمانيا لمئات الآلاف من الأشخاص الفارين من العنف في سوريا، وغيرها من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، في إثارة ردود الفعل المحلية الغاضبين.
وتساعد ميركل مؤخرًا الدول الأوروبية على التفاوض على اتفاق مع تركيا للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين، لكنها وغيرها من القادة الآن تحت الضغط لإعادة النظر في ذلك.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر