بقلم/عمرو الشوبكي
لا تستطيع أن تتشارك فى كل جلسات المؤتمرات الضخمة مثل ذلك الذى شهدته مدينة الداخلة المغربية فى الفترة من 16 إلى 21 مارس الماضى، فكثير من هذه الجلسات يتم فى نفس التوقيت وبعضها يمثل اهتماما لبعض المشاركين لا جميعهم.
ولذا لم يكن غريبا أن تكون عناوين جلسات المؤتمر متعددة وشملت مشاكل الإعلام والشباب والمرأة والزراعة والصحة والموارد الطبيعية، فقررت أن أترك أمور الزارعة لأهلها وشاركت فى جلسات حول الإعلام والشباب والصحة، ولفت نظرى فى حديث كل المسؤولين والخبراء الذين حضروا من أفريقيا وأوروبا وبعضهم وزراء فى حكومات حالية، أنهم تحدثوا عن ضرورة توفير الدواء الرخيص والعلاج المجانى، كما قدموا أفكارا عملية لمساعدة الشركات الكبرى على إنتاج أدوية رخيصة بالتوازى مع إنتاجها الذى تربح منه.
هذا النقاش سمعنا عكسه من وزير الصحة فى مصر الذى أدار المنظومة الصحية بمنطق رجل أعمال اعتبر أن خطوة مصر العظيمة فى تبنى العلاج المجانى فى الستينيات هى سبب أزمة النظام الصحى فى مصر وليس فشل السياسات المتبعة منذ 40 عاما.
أما مدينة الداخلة فهى مدينة صغيرة وساحلية بها عدد من المنتجعات الساحلية الهادئة وهناك برامج تنموية واسعة حرصت الحكومة المغربية على تبنيها لإدماج أهالى تلك المناطق الحدودية الحساسة داخل الدولة المغربية، فمازالت مشكلة الصحراء محل نزاع بين المغرب والجزائر، ومازالت هناك بعض القوى الصحراوية ممثلة فى جبهة البوليساريو تطالب باستقلالها وهى من الأمور التى يعتبرها المغرب حكومة وشعبا من الثوابت التى لا يمكن التفريط فيها، أى وحدة التراب الوطنى ومغربية الصحراء.
ذهبت للداخلة بالطائرة وعدت إلى الدار البيضاء بمركب عملاق ذكرنى طوال اليومين اللذين قضيتهما فيه «بتيتانيك» ولم أستطع أن أخرج من ذكريات هذا الفيلم الرائع طوال الرحلة، حتى لو كان الزمن غير الزمن والطقس الربيعى فى المحيط فى شهر مارس يختلف عن ثلوج تيتانيك، ومع ذلك ظل الفيلم حاضرا خاصة أنها المرة الأولى فى حياتى التى استقل فيها مركبا ينطلق بى فى عرض البحر ويتيح لى فرصة الحوار والنقاش مع شخصيات من مختلف بلدان العالم وفى بعض الأحيان حوار اضطرارى فالبحر من أمامنا ومن خلفنا.
نقاشاتى كانت مطولة مع المحامى المغربى عادل مرصاد وهو قيادى فى حزب التقدم والاشتراكية، وسبق أن زار مصر أكثر من مرة وله ذكريات طيبة ومشاعر حب ومودة كبيرة، وهو مازال من المؤيدين للرئيس السيسى، واعتبر أن الخطر الذى تواجهه مصر مازال حتى الآن هو الإخوان والإرهاب.
ودار جانب كبير من نقاشاتنا حول فكرة المراجعة والإصلاح من داخل النظام بعد تجارب الثورات العربية، وكيف أن المغرب وضع دستورا جديدا للبلاد واستبق ما جرى بإصلاحات ولو محسوبة من داخله، وأعطى مزيدا من الصلاحيات للبرلمان فى تشكيل الحكومة مقارنة بصلاحيات الملك السابقة، وأكد لى الرجل ما سبق وأكده أصدقاء مغاربة من قبل بأن انقسامات الأحزاب وخلافاتها فيما بينها جعلت بعضها يطالب بتقليص الصلاحيات المعطاة للبرلمان فى اختيار الحكومة، خوفا من أن يسيطر حزب أو تيار منافس على البرلمان، فاختاروا إعطاء هذه الصلاحيات للملك بدلا من البرلمان، وأكدوا المثل العربى الشهير «ملكى أكثر من الملك».
انتهت رحلة المغرب بوصول «بحرى» آمن للدار البيضاء أخذت بعدها الطائرة وذهبت لباريس ومنها لإحدى الجماعات الصغيرة خارجها لإلقاء محاضرة لطلبة قسم العلوم السياسية عن الإرهاب ثم عدت فى اليوم التالى إلى قاهرة المعز.
أرسل تعليقك