بقلم _ عمرو الشوبكي
ربما يتمثل الاستهداف الأخطر الذى يتعرض له المسيحيون بمصر فى تعصب قطاع من المجتمع ورفضه إعطاء أبسط حقوق المواطنة والإنسانية، متمثلاً فى حق بناء الكنائس والصلاة دون قيد أو خوف، ناهيك عن حالات التمييز الفج فى بعض الوظائف العامة والخاصة.
والحقيقة أن المؤسف والصادم أن المسيحيين صاروا لأول مرة مستهدفين من قبل متعصبين مسلمين وأيضا جماعات إرهابية. فهناك تنظيم داعش الإرهابى الذى روج لرواية زائفة لتبرير استهدافه المسيحيين تقول إنهم جماعة سلطة، وإحدى أذرع النظام الحاكم السياسية، وتعامل معهم باعتبارهم فئة سياسية باغية قبل أن يكونوا طائفة دينية يجب اضطهادها، ونظرته إليهم مثل نظرته لرجال الجيش والشرطة الذين استهدفهم التنظيم دون أن ينال منهم بعد أن كسروا شوكته فى أكثر من مكان.
والمؤكد أن هذه الحجج فاسدة، فالمسيحيون فى داخلهم تنوع فى الاتجاهات والأفكار والمشارب، ولا يمكن التعامل معهم باعتبارهم كلهم مؤيدين ولا معارضين، ولا أنهم جماعة سلطة أو حكم، وهى دعاية مغرضة راجت فى الفترة الأخيرة ولم تجد ماكينة مضادة لدحضها.
أما الجانب الثانى الأخطر فهو التعصب المجتمعى، الذى تركناه ينمو، خاصة فى قرى مصر والمناطق الأكثر فقرا وجهلا، نتيجة غياب دولة القانون وعدم قيام الدولة بواجباتها الثقافية والتعليمية فى مواجهة بيئة التعصب المجتمعى والطائفية.
إن خطورة ما جرى فى المنيا أن الاعتداء على المسيحيين لم يكن بسبب «خناقة» بين مسلم ومسيحى تحولت لمعركة طائفية، أو قصة حب بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة أو العكس تحولت لاشتباك طائفى، إنما هذه المرة بسبب استياء متعصبين مسلمين من وجود مسيحيين يصلون فى بيوتهم وينشدون ترانيمهم الخاصة بهدوء وسلام، فى نفس الوقت الذى يتقبل فيه المسيحيون صوت الأذان فى الفجر وكل أوقات النهار دون أن يشتكى منهم أحد.
علينا أن نفتح جراح التعصب المجتمعى، فهو أمر يختلف عن إرهاب التنظيمات المتطرفة وعن تشدد الجماعات السلفية، ولن يؤثر فيه كثيرا تجديد الخطاب الدينى ونشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة، لأن هؤلاء المتعصبين فى غالبيتهم الساحقة لم يتفقهوا دينيا ولو فى الاتجاه الخاطئ، وكثير منهم لم يقرأوا كتابا واحدا فى الفقه المتشدد، ولم يحفظوا حتى آيتين من القرآن الكريم، فهم نتاج الجهل والتسطيح والغوغائية، ومواجهتهم ستكون بإرادة سياسية فى تطبيق القانون بردع المعتدين، وهو ما جرى جزئيا بقيام الدولة بالقبض على 38 شخصا اعتدوا على المسيحيين وممتلكاتهم، وأيضا إصلاح التعليم والإعلام وإعطاء مساحة للمجتمع لكى يبادر ويتحرك لمواجهة التعصب والطائفية، لا بإعطائه يوميا جرعة تكرس كل ما هو ردىء، ثم نحاسبه على أنه نفذ فى الواقع جانباً من الرداءة التى تلقنها.
أرسل تعليقك