بقلم _ عمرو الشوبكي
عادة ما يغيب عن الخطاب الرسمى السؤال الرئيسى وربما البديهى فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب: لماذا تحول شخص نحو التطرف؟، أو بمعنى آخر ما الذى جعل هذا الشخص يتقبل، وفى بعض الأحيان، يسعى نحو التفسيرات الدينية المتطرفة؟، أو يندفع لمتابعة كل يوم دعاية القتل والإرهاب؟ أو يقع فى غواية المال ليفجر نفسه؟
والحقيقة أن هذا السؤال حول سبب التطرف لابد من طرحه بالتوازى مع مواجهة المتطرفين والإرهابيين، إذا أردنا الخروج من مستنقع الإرهاب وحصاره.
والحقيقة أننا مازلنا نتحدث عن المنتج الفكرى والدينى المنحرف الذى يجب تصحيحه وتجديده، وهو أمر مطلوب ولا خلاف عليه، ولكننا لا نسأل أنفسنا ما هى العوامل التى تقف وراء جعل هذه البضاعة المنحرفة لها رواج فى «أسواقنا» وجعلت فى بعض الأحيان الطلب عليها أكبر من الخطاب الدينى الرسمى أو المعتدل.
والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال ظلت تحكمها مدرستان، الأولى ترى أن هذه النصوص نتيجة عمقها الدينى والتاريخى قادرة، فى حد ذاتها، على أن تمثل عنصر استقطاب للكثيرين بصرف النظر عن السياق السياسى والاجتماعى المحيط بها، فى حين رأت المدرسة الأخرى أن هذه النصوص والتفسيرات المنحرفة موجودة منذ القدم وأن هناك فترات تاريخية بعينها ونتيجة ظروف اجتماعية وسياسية بالأساس يتم الإقبال عليها وإخراجها من كتب التراث وتحويلها إلى ميثاق للعمل والحركة والإرهاب.
والحقيقة أن النقاش العربى والعالمى حول من المسؤول عن الإرهاب: النص الدينى أم السياق الاجتماعى والسياسى المحيط هو نقاش مشروع حتى لو كان كثير منا حسم أمره بالقول إنه النص الدينى حتى لا يناقش وجود أى مسؤولية سياسية واجتماعية عن التطرف.
والواقع أن التحولات التى أصابت التيارات المتطرفة فى نصف القرن الأخير أعادت إحياء هذا النقاش مرة أخرى، فدوافع الإرهاب طوال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضى كانت بالأساس ترجع لغوص كثيرين فى التفسيرات الدينية المتطرفة لسنوات طويلة، دون أن يكونوا ضحايا ظلم أو قهر سياسى واجتماعى واختاروا أن يمارسوا العنف نتيجة قناعة دينية وعقائدية (منحرفة بالطبع)، دارت حول مفهوم الحاكمية لله، واعتبرت النظم القائمة نظم جاهلية لا تطبق أحكام الله، ولذا وجب تكفيرها وإسقاطها بالعنف.
وقد تغير الأمر مع بدايات العقد الماضى حين تراجع دور النص الدينى كمحدد أساسى فى عملية التجنيد لتنظيمات القاعدة ثم داعش، صحيح أنه ظل حاضرا كمبرر للقتل أو الانتحار، ولكن من يصنع الكراهية والإرهاب وتكفير المخالف لم يعد أساسا الغوص لسنوات فى تفسير دينى منحرف مثلما فعل جهاديو القرن الماضى إنما واقع سياسى واجتماعى.
إن قضية التطرف فى مصر مثل بلاد أخرى لم تعد بعيدة عن هذا الواقع، فهناك ماكينة داعشية وإخوانية تروج لمظلومية سياسية وحديث عن تجاوزات أمنية وعن أبرياء سقطوا أو اعتقلوا، وعن شرعية أسقطها تدخل الجيش، وهو خطاب يمكن الرد على جوانب كثيرة فيه وتصحيح جوانب الخلل الأخرى، خاصة ما يتعلق بالمظالم والأوضاع الاجتماعية لأهالى سيناء.
لو اعترفنا بأن هناك سؤالا أوليا لابد من الإجابة عنه، وهو لماذا يتطرف البعض ولماذا يقبلون على هذه النوعية من التفسيرات الدينية المنحرفة؟، لقطعنا خطوة جادة فى محاربة الإرهاب.
أرسل تعليقك