آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

فرنسا تنتظر «الرئيس ماكرون»

اليمن اليوم-

فرنسا تنتظر «الرئيس ماكرون»

بقلم/عمرو الشوبكي

تنتظر فرنسا نتيجة الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة أو يوم الحسم، كما يطلق عليها الفرنسيون، مساء اليوم الأحد، لتدخل مرحلة جديدة، فرضها دخول اليمين المتطرف كلاعب رئيسى فى معادلة السياسة الفرنسية، بعد أن كانت حكراً على اليسار الاشتراكى واليمين الديجولى.

مناظرة الأربعاء الماضى بين مارين لوبان وإيمانويل ماكرون اعتبرها فرنسيون «متدنية»، وفيها من العنف اللفظى ما لم يعتادوا عليه من قبل، وقارنها البعض بمناظرة ترامب مع هيلارى كلينتون فى أمريكا، وقد بدت «لوبان» أكثر حدة وغوغائية من منافسها، وهو ما اعتبره كثيرون نموذجاً للاستفزاز والادعاء، كما أشارت بعض الاستطلاعات إلى أنها خسرت قليلاً من جمهورها وكثيراً من المترددين عقب هذه المناظرة، فى حين بدا الشارع فى فرنسا يؤيد «ماكرون» بأغلبية من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، والذى نجح فى أن يحصد أصوات قطاع واسع من الشباب فى المناطق الريفية، وظل مسيطرا على أغلبية كبيرة فى المدن الكبرى.

الشىء اللافت فى الحملة الانتخابية، وأيضا فى المناظرة التى جرت بين المرشحين- رغم قسوتها واستخدام الأسلحة الثقيلة، خاصة من جانب «لوبان»- أن هناك دائما سقفا وخطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، فجانب منها يتعلق بالثقافة الفرنسية أو طبيعة النموذج الفرنسى، والجانب الآخر يتعلق بسطوة دولة القانون، ففى الحالة الأولى لم تتعرض «لوبان» بشكل صريح لزواج «ماكرون» من سيدة تكبره بأكثر من عشرين عاما، حتى لو كانت قد استخفت من صغر سنه، وحتى لو وجهت له إهانة سياسية حين قالت له: «فى كل الأحوال مَن سيحكم فرنسا امرأة، إما أنا أو المستشارة الألمانية ميركل»، (لأن ماكرون أعلن ذات مرة إعجابه بصلابتها).

والمعروف أنه فى فرنسا الحياة الشخصية مُصانة، وحتى صحف الإثارة- التى كثيرا ما تحدثت عن علاقات السياسيين الجنسية، وكشفت ذات مرة عن قصة الابنة غير الشرعية للرئيس الفرنسى الراحل، فرانسوا ميتران- لم تَنَل فيها هذه القصة اهتماما كبيرا من الفرنسيين، ولم تَحُلْ دون إعادة انتخابه مرة أخرى، وهى ثقافة مختلفة عن الثقافة الأمريكية والبريطانية، التى تهتم بدرجة أكبر بكثير بالفضائح الخاصة، وكثيرا ما يؤدى نشرها إلى إنهاء مستقبل كثير من السياسيين.

أما سقف القانون، الذى لا يتسامح مع الاتهامات الباطلة أو المزورة، (على عكس الحالة المصرية، التى تعيش على هذه النوعية من الاتهامات، بل كثيرا ما تلفقها بعض أجهزة الدولة)، فقد اتضح حين تساءلت «لوبان»، أثناء المناظرة، وأكدت أنه فقط سؤال يتردد: «هل لك حساب خارج فرنسا؟»، ولمجرد طرح هذه الاتهام فى مناظرة علنية، ولو فى صيغة سؤال، دون أى دليل ودون اتهام من السلطات القضائية، رفع «ماكرون» عليها قضية «اتهام باطل»، وعقوبتها تصل إلى سنة حبسا أو غرامة مالية ضخمة.

سطوة القانون جعلت هناك فارقا بين الشائعات، التى تتردد أحيانا على مواقع التواصل الاجتماعى، وبين الكلام الجاد والمسؤول، الذى يقوله كبار المسؤولين فى وسائل الإعلام الرئيسية.

ورغم سقف القانون والقواعد المهنية- التى حالت دون وصول المجتمع إلى حالة الاستباحة، التى نراها بكل أسف فى حالتنا المصرية- فإن وسائل الإعلام الفرنسية المرئية والصحفية أبدت تعاطفا وتأييدا واضحين لـ«ماكرون».

صحيح أن الإعلام المرئى التزم بالقواعد التى وضعها الجهاز المنظم للإعلام فى فرنسا (CSA)، والتى لا تسمح بالحديث عن مرشح أكثر من الآخر، أو بدعوة مرشح أو أحد قيادات حملته وتجاهل آخر، ولكن اختلفت الطريقة التى كان يدير بها الإعلاميون حواراتهم مع ممثلى كل مرشح، فقد اتضح التباين وحِدّة النقاش والهجوم المتبادل بين الصحفيين وأى ممثل لمارين لوبان، على عكس النقاش الهادئ والعميق- ولو نسبيا- بين ممثلى المرشح «ماكرون» والإعلام.

فقد تابعت، أمس الأول، على قناة LCP البرلمانية نقاشاً بين المتحدث الرسمى باسم حملة إيمانويل ماكرون والمتحدث الرسمى باسم حزب الجبهة الوطنية، الذى تترأسه «لوبان»، مع أربعة من كبار رجال الصحافة فى فرنسا، حول كل الملفات التى تشغل البلاد: إرهاب وبطالة ومهاجرين، وكان واضحاً أن الحوار مع مَن يمثل «ماكرون» هو حوار مهنى عميق لا يحمل أى موقف مسبق، على عكس مَن يمثل «لوبان»، فقد كان شديد الحِدّة يحاول فيه الصحفيون الأربعة أن يُخرجوا منه أسوأ ما فيه، ويتم توريطه فى إجابات تُفقده أصوات الناخبين، ولكن دون أى تجاوز للقواعد المهنية المعروفة.

أما الصحافة المكتوبة فقد انحازت بشكل واضح وبلا استثناء تقريبا إلى إيمانويل ماكرون، وبصورة لم تشهدها فرنسا طوال تاريخها المعاصر، فعنونت صحيفة «لوموند- Le monde»- الوقورة والأكثر اعتدالاً ومهنية ودفاعاً عن قيم الديمقراطية والعلمانية الفرنسية- صفحتها الأولى، قائلة: «استراتيجية الكذب لمارين لوبان»، وكتبت بالتفصيل 19 كذبة قالتها «لوبان»، أثناء حملتها الانتخابية، وتحديدا أثناء المناظرة الانتخابية، أما صحيفة «ليبراسيون- Libération»- ذات الميول اليسارية- فقد وضعت صورة لوالد «مارين»، مؤسس حزبها، «جان مارى لوبان» على كل الصفحة الأولى، وهو يُعتبر أكثر تطرفا منها، وكتبت تحتها: «هى لم تتغير، مدعية فى الشكل ضعيفة فى المضمون»، أما صحيفة «لوفيجارو- Le Figaro»- اليمينية- فعنونت صدر صفحتها الأولى، قائلة: «عقب تحطم لوبان.. ماكرون متقدم»، أما صحيفة «البطة المقيدة- Le Canard enchaine»- الساخرة، (قريبة فى إخراجها وخطها من صحيفة المقال، التى يترأسها فى مصر إبراهيم عيسى)- فقد ردت على ما يعرفون فى فرنسا: «Ni Ni»، أى الذين يقولون لا لـ«لوبان» ولا لـ«ماكرون»، فعنونت صدر صفحتها: «لا مارين ولا لوبان»، فى رفض قاطع لمرشحة اليمين المتطرف.

أما الطبقة السياسية الفرنسية فقد تفاوتت مواقفها بين أغلبية أعلنت تأييدها «ماكرون»، وتيار واسع أعلن عدم تأييده «لوبان»، ولم يعلن دعمه «ماكرون»، مثلما حدث مع مرشح اليسار الثورى، «ميلانشون» (الذى حصل على 19% من أصوات الناخبين)، وهناك مرشح واحد ديجولى سابق، حصل على ما يقرب من 5% من أصوات الناخبين، أعلن دعمه مارين لوبان، وهو ما دفعها- أثناء المناظرة- إلى الإشادة بالجنرال ديجول، رغم أن تراث الحزب ومواقفه كانت مع الجنرال «بيتان»، الذى تواطأ مع الاحتلال النازى، وليس الجنرال ديجول، الذى حرر فرنسا وحارب النازى.

كل رموز الفكر والسياسة والصحافة، الذين أعرفهم فى فرنسا وقابلت بعضهم، أمس وأمس الأول، أعلنوا بلا استثناء دعمهم الكامل لـ«ماكرون»، هذا ما قاله جان لوى جيجو، مدير معهد الدراسات المتوسطية، فى لقائى معه، أمس الأول، كما أعلنت زوجته إليزابيت جيجيو، رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان، دعمها الكامل «ماكرون»، أما وزير خارجية إسبانيا السابق، ميكائيل مارتينيوس، الذى لديه علاقات قوية بالنخبة السياسية الفرنسية، فقد أخبرنى- فى مكالمة، أمس الأول: «ننتظر الخبر السعيد اليوم الأحد»، أى فوز «ماكرون».

يقيناً، على خلاف تجربة الانتخابات الأمريكية، فإن استطلاعات الرأى هناك ظلت لصالح كلينتون بفارق بسيط، فى حين أن فرنسا تؤكد استطلاعات الرأى فيها فوز «ماكرون» بنسبة تفوق 60%، ويبقى فى النهاية الفارق بين طبيعة النموذج والمجتمع الفرنسى، الذى من الصعب عليه أن يقبل رئيسا يأتى من أقصى اليمين، يعزل فرنسا عن محيطها الأوروبى، ويتبنى خطابا غوغائيا مخالفا لطبيعة البلد وتاريخه، ويبث فى بلد متوسط الحجم والمساحة حملات كراهية ضد العرب والمسلمين، الذين بينهم وبين فرنسا فقط حدود البحر المتوسط، وليسوا على بعد آلاف الأميال مثل أمريكا.

سيعلن «ماكرون» رئيساً، فى تمام الساعة الثامنة من مساء اليوم الأحد، وهو لا يعنى بالضرورة النجاح فى مهمته الصعبة رئيساً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا تنتظر «الرئيس ماكرون» فرنسا تنتظر «الرئيس ماكرون»



GMT 12:54 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

الجيش اللبناني ما له وما له

GMT 10:16 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إضراب فرنسا

GMT 05:03 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

لا يليق التذكّر

GMT 08:18 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

أميركا والسعودية وإيران و«الانقلاب الكبير»

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أيضاً... أحلى السرد أكذبه
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:44 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

أجواء عذبة عاطفياً خلال الشهر

GMT 01:05 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة هند صبري تكشف تفاصيل إنتاجها لأفلام الإنترنت

GMT 10:33 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

روما يهزم برشلونة الثلاثاء عن طريق اللاعب دجيكو

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 04:25 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

كاتي بيري تلفت الأنظار إلى فستانها البني الأنيق

GMT 21:10 2017 الجمعة ,07 تموز / يوليو

يوفنتوس سيجاري عرض أرسنال الخيالي لضم مبابي

GMT 01:57 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تظهر في عيد ميلاد توأم زينة وتخطف الأضواء

GMT 15:40 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

دينا راغب بإطلالة فرعونية تتخطى 150 ألف دولار

GMT 03:21 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تستعمل الأغاني بدلًا من أصوات المحركات المزعجة

GMT 21:31 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تحدث ميزات جديدة للمستخدمين في15 دولة العالم العربي
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen