بقلم - عمرو الشوبكي
حين كان الفارق فى الخمسينيات والستينيات بين مصر والعالم المتقدم يقاس ربما بعشرات السنين، كان من الوارد أن نصمد وربما ننتصر على إسرائيل، وحين أصبح الفارق فى النصف الأخير من القرن الماضى بيننا وبين نفس هذا العالم يبدو وكأنه بمئات السنين، أصبح من الصعب الانتصار على إسرائيل فى أى صراع سلمى أو قانونى أو عسكرى سواء تعلق بالقدس أو بباقى الأراضى العربية المحتلة.
ورغم أن المقاومة المسلحة حق من حقوق الشعوب المحتلة، ورغم أن التظاهرات التى تقوم بها الشعوب ضد الاحتلال الإسرائيلى أوراق مهمة للضغط على صانع القرار المحلى والدولى، إلا أنها بالتأكيد لن تستطيع بمفردها، كما أثبت التاريخ فى العقود الأربعة الأخيرة، تحقيق أى مكاسب فى معركة تحرير الأرض العربية المحتلة وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فى ظل هزيمة حضارية مؤكدة.
تاريخ أبناء جيلى مع التظاهرات ممتد منذ غزو إسرائيل لأول عاصمة عربية (بيروت) فى 1982 مرورا بالحروب الأمريكية فى العراق فى 1991 (أى الدخول للأراضى العراقية عقب تحرير الكويت) ثم غزوه واحتلاله وتفكيك دولته فى 2003، وانتهاء بمظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة على مدار أكثر من 4 عقود. كل ذلك لم يردع إسرائيل، ولم يثنِها عن سياستها التوسعية بل جعلها منذ اتفاق أوسلو فى 1993 تتوسع فى الاستيطان وترفض إعادة الأراضى التى نصت الاتفاقيات على إعادتها للسلطة الفلسطينية، ومارست جرائم بحق الشعب الفلسطينى لم يحاسبها عليها أحد.
كل ذلك جرى فى ظل مقاومة شعبية فلسطينية كبيرة وتضامن شعبى عربى ودولى واسع، ولكنه فى النهاية لم يؤد إلى تحقيق مكسب سياسى واحد منذ استعادة منقوصة السيادة لجزء من الأراضى الفلسطينية المحتلة فى 1993، بل إن كل محاولات حماس للدخول فى مواجهات عسكرية غير محسوبة مع إسرائيل انتهت بفشل ذريع، ودفع الشعب الفلسطينى ثمناً باهظاً لهذه الحروب من دماء أبنائه دون أن يحقق أى مكسب سياسى أو يستعيد سيادته على أرضه، وأصبحنا أمام تضحيات يدفعها الشعب الفلسطينى بلا أى مقابل.
والحقيقة أن الهزيمة الفلسطينية والعربية أمام إسرائيل اتضحت حين قامت حركة حماس بالسيطرة المسلحة على قطاع غزة وطرد حركة فتح منها والعمل على مدار عقدين لتحويلها لإمارة معزولة عن العالم، وساعد الانقسام الفلسطينى الاحتلال على إحكام قبضته على الأراضى المحتلة، وبدا الصراع بين الأطراف الفلسطينية أكثر حدة فيما بينها من صراعها مع المحتل، وشهدنا حملات متبادلة بين فتح وحماس نسيا فيها المحتل الإسرائيلى.
ومع تزايد الأزمات العربية الداخلية واختفاء دول، وانقسام أخرى، وسقوط مئات الآلاف من الضحايا بأيدٍ عربية فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، لم تعد القضية الفلسطينية تمثل أولوية لكثيرين، وبدا فشلنا فى حل مشاكلنا (كوارثنا) الداخلية سببا وراء تغول إسرائيل علينا واستهانة أمريكا بنا سواء كنا حلفاء أو خصوما لها.
هزيمتنا الحضارية مؤكدة فى مواجهة إسرائيل وأمريكا، وهذه الهزيمة لا تعنى فقط الفارق فى التقدم الاقتصادى والسياسى بيننا وبينهم، إنما فى عدم قدرتنا على بناء نماذج فى الداخل قادرة على إدارة صراع سلمى وحضارى وقانونى مع المحتل الإسرائيلى.
أرسل تعليقك