بقلم - عمرو الشوبكي
تناقلت المواقع الصحفية فيديو الإرهابى المتجول فى أحد الشوارع الرئيسية المجاورة لكنيسة مارمينا فى منطقة حلوان، حاملا سلاحه الآلى لمدة تجاوزت العشر دقائق قبل أن يطلق عليه الرصاص ويسقط على الأرض، ثم يهجم عليه أحد المواطنين ببطولة نادرة (عم صلاح) ويلقى القبض عليه، قبل أن يأتى عشرات الأهالى ويشلوا حركته وهم يهتفون ويكبرون فى حالة فرح عامرة.
الفيديو المتداول مذهل ويظهر فيه أكثر من جانب يحتاج لتحليل علماء اجتماع ونفس، فأولا هناك السهولة التى تحرك بها الإرهابى لمدة قاربت من 10 دقائق، وهى مدة نصفها كاف لانتقال تعزيزات أمنية فى الدول المتقدمة أو نصف المتقدمة، لكنها تمتلك أجهزة أمنية على قدر معقول من الكفاءة والمهنية، وثانيا هناك صورة عربة الشرطة شبه المدرعة، التى ظهرت فى الخلفية، ولم تتعامل مع الإرهابى وذهبت لحال سبيلها، أما ثالثا فهو تعامل الأهالى مع الإرهابى منذ ظهوره وهو شاهر سلاحه، فقد قذفوه بالحجارة والزجاجات الفارغة ودعوا عليه، وتسمع فى الشريط صريخ وبكاء النساء حين اقترب الأهالى منه، خوفا عليهم من شره، وحين سقط الإرهابى فى المشهد الأخير سمعنا الزغاريد والتكبير (الله أكبر) وانهالوا علية ضربا حتى ألقوا القبض عليه.
يقينا فى هذه المشاهد أهالى حلوان هم الأبطال الحقيقيون، فرغم كل القيود التى يفرضها الحكم على أى عمل أهلى أو سياسى أو نقابى، فقد أظهر الناس معدنهم الأصيل وتحركوا بصورة أكثر فعالية من الشرطة (رغم تضحياتها المؤكدة فى مواجهة الإرهاب)، وأن المجتمع الذى تحرص قوى نافذة كثيرة أن تظهره فى مظهر القاصر والفاشل، لعب دورا بطوليا فى حادثة، الثمن فيها هو فقدان الحياة.
فكراهية المصريين للعنف والإرهاب عميقة ومؤكدة، وهنا أى كلام يردده بعض متطرفى العلمانية ومعهم قلة من متطرفى الأقباط، بأن الإسلام والمسلمين يستحلون دماء المسيحيين وكنائسهم ويشمتون فى زهق أرواحهم كلام ليس فقط فارغاً وتافهاً إنما أيضا مغرض ورخيص.
نعم هناك إرهابيون يعدون بالمئات فى شعب عدد سكانه مائة مليون، يقومون بتلك الجرائم بحق المسيحيين ويستهدفونهم سياسيا ودينيا، ولكنهم فى نفس الوقت استهدفوا مسجدا وقتلوا 310 مصليى بريئين، ويستهدفون رجال الجيش والشرطة، ولايزال عموم الشعب المصرى يرفض أى استهداف لدماء وممتلكات المسيحيين مثل غيرهم.
المناخ الثقافى المتعصب والتمييز الذى يقع بحق الأقباط، وتوظيف الحبل السرى بين أجهزة الأمن وقوى متعصبة إسلامية فى مواجهة بناء الكنائس، أمر يختلف تماما عن موضوع الإرهاب والقتل على الهوية وانحياز المسلمين النفسى والوجدانى لأى مسيحى يتعرض لاعتداء من قبل إرهابيين.
فقد قدم أهالى حلوان نموذجا عظيما ورائعا فى التعامل مع العنف وزهق الأرواح ولم يعتبروا الكنيسة المسيحية مصدر خطر، إنما الإرهابى المسلم هو مصدر الخطر، وأن حالة الرفض فى شرفات البيوت وفى الشوارع الجانبية لهذا الإرهابى كانت معلنة، رغم مخاطرها الشديدة على حياة الناس.
سيبقى المجتمع المصرى ينبض بالحياة بصورة أكبر من كثير من مسؤوليه وأجهزته رغم القصف الإعلامى اليومى، الذى يسعى لتخلفه، ورغم القيود المفروضة على إظهار أفضل ما فيه.
أرسل تعليقك