بقلم - عمرو الشوبكي
علاقتنا بالسودان تاريخية وفيها كثير من وشائج المودة والتلاحم وحسن الجوار، وحين تزور بعض المناطق فى جنوب مصر أو شمال السودان تشعر أنهما أبناء بلد واحد وبينهم روابط دم ومصاهرة لا يجب أن تفرقها السياسة.
ومع ذلك ظلت هناك معضلات كثيرة فى علاقات البلدين وبعضها البعض تتحمله تعقيدات العلاقة بين بلدين متجاورين أحدهما أكثر تقدما من الأخرى ولو نسبيا (ولا يعنى ذلك أى حكم استعلائى بحق السودان مثلما يفعل بكل أسف بعض من أجرموا فى الإعلام المصرى)، فأدى ذلك إلى وجود علاقة بها كثير من المحبة المختلطة بالإحساس بالتفوق والتجاهل لدى المصريين، والغيرة وتفسير تصرفات مصرية عفوية على أنها تعمد إساءة من جانب سودانيين.
ثم دخلت السياسة على الخط فبعد أن نال السودان استقلاله عن بريطانيا ومصر تأثرت العلاقة بالتوجهات السياسية لدى كلا البلدين. صحيح أنه فى عهد عبدالناصر كانت مشاعر الشعب السودانى فياضة تجاه الرجل ونال نفس الالتفاف الشعبى فى السودان كما مصر حتى كان الاستقبال التاريخى لعبدالناصر فى عام 1968 فى مؤتمر القمة العربية الشهير فى الخرطوم (مؤتمر اللاءات الثلاثة)، وطلب من طائرة عبدالناصر أن تبقى فى الجو بعض الوقت لأنها لو نزلت قبل القادة العرب لانصرفت الجماهير السودانية كلها التى جاءت أساسا لاستقبال عبدالناصر.
بعض البؤساء فى مصر ممن يهدمون تاريخ هذا البلد يتحدثون بغرور أجوف فى بلد قاد التحرر الوطنى (لأنه كان مستعمرا أيضا وواقع تحت الاحتلال) كمصر، عن حقبة استعمارية طواها العالم ويعايرون السودان باستقلاله ويطالبون بكل تخلف بعودة السيادة المصرية عليه فى حين أن استقلال السودان عن مصر لم يكن فقط الموقف الصحيح أخلاقيا وسياسيا إنما هو الذى فتح الباب للتأثير المصرى فى أفريقيا حين طبقت على نفسها ما رفعته من شعارات التحرر والاستقلال.
يقينا العلاقات بين البلدين فيها مشكلات سياسية كثيرة، ومواقف الحكومة السودانية عدائية فى أكثر من ملف يخص مصر سواء ما يتعلق بسد النهضة أو بترسيم الحدود، خاصة بعد أن أصبح السودان الرسمى جزءا من سياسة المحاور بالمنطقة واختار التحالف مع كل النظم التى لديها علاقات سيئة مع مصر.
الحكم فى السودان لديه مشاكل داخلية عديدة، ويحاول تغطيتها بالهجوم على مصر وتصويرها على أنها مصدر الخطر والشرور للسودان فى محاولة لخلق «عدو خارجى» يشغل به شعبه عن أزماته الاقتصادية والسياسية العميقة.
لن تحل المشاكل العالقة بين البلدين بسحب السفير ولا بشتائم وبذاءات إعلامية ولا بخطابات عنصرية جاهلة تنسى أن ما بين الشعبين من وشائج التاريخ والجغرافيا أكبر من خلافات السياسة.
فى نفس الوقت لابد أن يقتنع كل مسؤول سياسى فى مصر والسودان بأنه إذا كان البعض يتصور أنه سيغير التاريخ فلن يستطيع تغيير الجغرافيا، فمصر والسودان حدودهما متلاصقة بكل ما يفرضه ذلك من ضرورة التعاون العميق اقتصاديا وسياسيا وأمنيا لأن عمقهما الجغرافى والاستراتيجى واحد.
مصر والسودان يجب أن تبقيا أشقاء حتى لو اختلفا فى السياسة.
أرسل تعليقك