بقلم/عمرو الشوبكي
معضلة حزب الله وأزمته فى التحول الذى أصابه ولم يعترف به، فالحزب الذى ولد كتنظيم سياسى عقائدى مقاوم للاحتلال الإسرائيلى فى جنوب لبنان وقادت عناصره عمليات المقاومة ضد الاحتلال بشرف ونبل، وقدم عشرات الشهداء حتى تحرر الجنوب اللبنانى فى عام 2000 لم يعد هو نفس الحزب الذى أصبح منذ منتصف العقد الماضى ذراعا سياسية وطائفية لإيران يحارب فى كل مكان إلا إسرائيل.
لقد تحول حزب الله عقب مغامرته العسكرية مع إسرائيل فى 2006 (خلفت ألف ضحية لبنانى) من حزب مقاوم على الأرض إلى حزب مقاوم بالشعارات، ومنذ ذلك التاريخ دخلت قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة للأراضى اللبنانية لتفصل بين ميليشيات الحزب وإسرائيل. والغريب أن حزب الله الذى دخل فى مواجهة عسكرية مع إسرائيل كان له وزراء فى الحكومة اللبنانية، ومع ذلك لم يخبر حكومته بمعركته مع إسرائيل، وصارع بكل السبل لكى يحصل على تمثيل كبير داخل التركيبة الحكومية، وفى الوقت نفسه اعتبر نفسه حزباً مقاوماً ليحصل على شرعيه حمل السلاح من أجل الحرب فى سوريا والعراق واليمن ولبنان لا إسرائيل.
إن تجربة حزب الله «ما بعد المقاومة» لا تختلف كثيراً عن تجارب نظم وتنظيمات سياسية وعقائدية كان لديها، فى فترة من الفترات، حلم ثورى، وبعضها ناضل ضد نظم مستبدة، والبعض الآخر ناضل ضد احتلال أجنبى، وبعد وصولهم إلى السلطة تحولوا إلى نظم استبدادية بامتياز.
صحيح أن حزب الله لم يصل إلى السلطة بمفرده، إنما أصبح الطرف المهيمن عليها، لأن لبنان لا توجد فيه سلطة دولة بالمعنى الذى تشهده باقى الدول العربية، فالطوائف والمذاهب أقوى من الأحزاب ومؤسسات الدولة، وهو أمر فى حال اعترف به حزب الله كان سيعطيه مصداقية أكبر باعتباره حزبا يعبر عن جانب من الطائفة الشيعية ويتحرك داخليا وخارجيا للدفاع عنها من تهديدات داعشية متنوعة بدلا من التمسك بشعارات المقاومة التى لا يطبقها.
لن تقدم إسرائيل على ضرب حزب الله، لأنه نجح فى ضبط حدوده بصورة صارمة مع إسرائيل، فلم يلق عليها حجرا منذ عام 2006 ولم تطلق طلقة شاردة، ولم يغمض الحزب عينه للحظة ليسمح بتسلسل أى «فدائيين» للقيام بأى عملية داخل إسرائيل، حتى أصبح حزب الله نموذجا يحتذى فى ضبط الحدود بين الدول العربية وإسرائيل.
يقينا لا أحد يطالب حزب الله بمحاربه إسرائيل وتوريط الشعب اللبنانى فى مآس جديدة إنما المطلوب أن يكف عن استخدام ورقة المقاومة فى لعبه المكاسب والهيمنة السياسية، فأفضل لحزب الله ولكل دول المنطقة أن يطرح مخاوفه الحقيقية ورؤيته الاستراتيجية فوق الطاولة وليس تحتها، فمن حق الحزب أن يقول أسبابه الحقيقية لدعم النظام السورى ومحاربته الدواعش هناك، ومخاوفه من سقوط هذا النظام على أوضاع الحزب والشيعة فى لبنان، وأيضا مخاوفه من تصاعد خطاب طائفى سنى تجسد فى داعش والقاعدة بل تيار وهابى متطرف فى السعودية وسلفى فى مصر معاد للشيعة.
كل ذلك مفهوم أن يقوله حزب الله لأسباب مذهبية أو سياسية، أما إخافة الجميع بورقة المقاومة وبماضيه المقاوم الذى تحول لورقة ابتزاز للجميع فهو أمر لم يعد مفهوما ولا مقبولا.
أرسل تعليقك