بقلم - عمرو الشوبكي
يستعد التونسيون لخوض غمار جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية يوم الأحد القادم بعد أن جاءت نتائج الجولة الأولى على خلاف التوقعات، حيث جاء أستاذ القانون الدستورى قيس سعيد في المركز الأول وحصل على ما يقرب من 19% من الأصوات، ثم جاء رجل الأعمال الشهير نبيل القروى، المحبوس حاليا، في المركز الثانى وحصل على حوالى 15% من الأصوات، ليدخل المرشحان جولة الإعادة يوم الأحد القادم في حال رفض الهيئة العليا المستقلة الطعون المقدمة.
وبلغت نسبة المشاركة حوالى 45% في مقابل 64% في الانتخابات السابقة، واتضح وجود تيار واسع، خاصة من الشباب قاطع الانتخابات الأخيرة، وعبر في أكثر من مناسبة عن عدم ثقته في «جدوى الانتخابات» بل وفى العملية السياسية برمتها.
ورغم أن تونس تصنف من الديمقراطيات الناشئة إلا أنها نجحت في تقديم تجربة انتخابية إيجابياتها أكبر بكثير من جوانبها السلبية، ففقد وجه الناخبون «صفعة ديمقراطية» للطبقة السياسية التي سيطرت على المشهد السياسى منذ الثورة وحتى الآن، وتحديدا ما يعرف بأحزاب يمين الوسط التي مثلها بشكل أساسى حزب «نداء تونس»، الذي خاض أكثر من عضو سابق في الحزب الانتخابات الرئاسية وخسروا جميعا، في حين أنه لو اتفقوا على مرشح واحد لكان باليقين من بين مرشحى الإعادة.
أما الصفعة الثانية فكانت لحركة النهضة التونسية التي خسر مرشحها الرسمى وغير الرسمى الانتخابات من الجولة الأولى، وتصبح هي المرة الأولى منذ الثورة التونسية التي يفشل فيها مرشحو النهضة الرسميين وغير الرسميين في الوصول إلى الدور الثانى.
وقد نجحت تونس في القضاء على أكذوبة تروجها القوى المعادية للديمقراطية جنبا إلى جنب مع كثير من الإسلاميين بأن أي انتخابات حرة تجرى في العالم العربى سيربحها الإسلاميون، وهو غير صحيح في معظم التجارب، وهو ما أثبتته تونس أيضا بشكل عملى.
لقد نجح في جولة الإعادة اثنان مرشحان من خارج المنظومة الحزبية الحاكمة وأيضا حركة النهضة الإسلامية، وهو يدل على وعى الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب التونسى، الذي لم يقبل أن يكون تصويته الرافض للنخب والأحزاب المدنية التقليدية يذهب للتيار الإسلامى.
لقد رفض الشعب التونسى النخب الحاكمة بمختلف توجهاتها بالديمقراطية والصندوق، واختار اثنين من خارج المشهد الحزبى التقليدى، كما فعل الأمريكان مع دونالد ترامب والبرازيليون مع جايير بولسونارو، حين اختاروا مرشحين من خارج الأحزاب التقليدية. بل إن الرئيس الفرنسى ماكرون أسس حزبه قبل انتخابات الرئاسة بفترة قصيرة ليكون بديلا عن الأحزاب التقليدية القديمة، ويفوز في انتخابات الرئاسة مرشح من خارج الأحزاب والنخب التقليدية.
انتخابات تونس أكدت أن العرب ليسوا عجبة ولا استثناء بين دول العالم، وأنهم قدموا نموذجًا لتصويت عقابى للنخب التقليدية سبق تكراره في ديمقراطيات كثيرة.
أرسل تعليقك