بقلم - عمرو الشوبكي
كلما احتلت القضية الفلسطينية واجهة الاهتمام الشعبى مصرياً وعالمياً ينبرى البعض مردداً الأسطوانة المشروخة التى تقول مالنا ومال فلسطين ويكفينا مشاكلنا وتحيا مصر، وأحيانا يضيف- ولو على سبيل الحواشى- القصة المتخلفة بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم حتى لا يكون مُطالَبا ولو بالتضامن السياسى والإنسانى مع الشعب الفلسطينى وقضيته الأعدل.
والحقيقة أن هذا الكلام جزء من الكلام الفارغ الذى يسيطر على المجال العام والسياسى منذ سنوات، ودليل على حالنا البائس وحجم التخلف، الذى ضرب قطاعات واسعة من مجتمعنا نتيجة إرث إعلامى وسياسى بائس، عوّد البعض على الحديث عن أعدل قضية يمتلكها العرب بطريقة شديدة التخلف، قائمة على أكاذيب يرددها البعض دون أدنى تفكير أو مراجعة.
والحقيقة أن خطاب «كراهية فلسطين» لا يصب فى كثير من الأحيان لصالح إسرائيل، فهؤلاء ليسوا بالضرورة مُطبِّعين، وليس لديهم أى رؤية سياسية من أى نوع، إنما هم ضحايا منظومة تعليمية وثقافية وسياسية فارغة كرّست لهذا التخلف البائس.
والحقيقة أن الهندسة الأمنية لواقعنا السياسى تحاول أن تنتقل إلى هندسة حجم التعاطف والتضامن مع القضية الفلسطينية أو حتى مع ضحايا الإرهاب، أو أى قضية يبدو فيها المجتمع حاضرا ولو بدرجة، وأصبح مطلوبا من الجميع ألا يتجاوزوا السرعة التى يسير عليها المركز السياسى، وصار مطلوبا أن «نهندس» قلوبنا الإنسانية على الحدود التى ضخها العقل السياسى المتجمد، ورسمتها عصا أجهزة الأمن، فنتعلم الكراهية والأنانية، ونروّج الروايات المختلقة عن خطر الفلسطينيين، وننكر حجم التضحيات التى يدفعونها يوميا، ونعتبر القدس لا تخصنا (ولا نعلم مَن تخص).
إن نيران التخلف التى تطول القضية الفلسطينية الأعدل بين قضايا العالم بدت وكأنها «ضد الطبيعى»، فالإنسان له عقل وقلب، وعنده مشاعر وفطرة إنسانية، اجتهدنا لفترات من أجل أن نغير فى هذه «المكونات الطبيعية»، فنخلق لغة عدوانية تجاه الفلسطينى ونتصور أننا بذلك انتصرنا لمصر، ونتناسى أننا نُوجِعها، ونخلق مواطناً عاجزاً عن أن يعطى قيمة مضافة فى عمله أو تربية أبنائه أو فى سلوكه مع جيرانه وأهله، حين نُحمِّله بثقافة الكراهية والأنانية الشديدة تجاه ليس فقط الفلسطينى، إنما أيضا المواطن المصرى البسيط، الذى تركناه فريسة حرمان اقتصادى وسياسى.
والمدهش ألا أحد طبيعياً يطالب مصر بالدخول فى حروب أو مغامرات عسكرية ضد إسرائيل، ولم يطلب منها أن تهمل مشكلات المصريين لصالح حل مشكلات الفلسطينيين، ولكن فشلها فى حل مشكلات المصريين جعلها تخلق تناقضاً وهمياً بين التعاطف مع القضية الفلسطينية والقدس العربية وبين مشكلات المصريين.
وبما أننا لسنا أمام إدارة سياسية للبلد، فكان من الطبيعى أن نشاهد تلك الحملات المؤسفة فى حق الشعب الفلسطينى المحتل، بصورة تجاوزت ما يُكتب فى أوروبا وأمريكا، وأصبح من الصعب قبول تلك «التخريجة» الواهية بأن مشكلاتنا بسبب «حروب فلسطين»، ونتناسى أن حروبنا توقفت منذ ما يقرب من نصف القرن، ومع ذلك بقى وضعنا الاقتصادى والسياسى أسوأ مما كنا عليه أثناء الحروب.
يقيناً لو حلَلنا جانباً من مشكلاتنا الاقتصادية والسياسية، وحققنا تقدماً فى التعليم والصحة ومحاربة الفقر والفساد والعدالة والديمقراطية فسنكون قد قدمنا أكبر دعم للقضية الفلسطينية، ولن تُخيف الحكم مسيرة من مائة شخص.
أرسل تعليقك