بقلم - عمرو الشوبكي
اعتدت أن أتلقى رسائل عديدة تناقش أسباب العنف وظاهرة التطرف، حتى أصبح واضحا أن هناك مدرستين فى التعامل مع هذه الظاهرة: الأولى تركز على الإصلاح الدينى والفكرى، والثانية تركز على الأبعاد السياسية والاجتماعية والتنموية دون أن تلغى كلتا المدرستين أهمية المدرسة الأخرى.
وقد تلقيت من الدكتور محمود أمين الجمل، أستاذ الاقتصاد بجامعة رايس بالولايات للمتحدة الأمريكية، رسالة حول هذا الموضوع (أقرب لتوجهى فى هذا الشأن) جاء فيها:
تعليقا على سلسلة مقالاتكم الأخيرة المتعلقة بالعنف الجديد، وكنموذج له قاتل مانهاتن فى نيويورك، فرأيى أن الإسلام السياسى (بمعنى التفسيرات السائدة عن الإسلام وليس النصوص المقدسة) الذى بدأه جمال الدين «الأفغانى» كان بمعنى إسلام سياسى وطنى عند بداية القرن الماضى، ثم أصبح اشتراكياً فى منتصف القرن (والشاهد على ذلك كتابات محمد الغزالى ومصطفى السباعى وسيد قطب.. إلخ) ثم أصبح رأسمالياً بتمويل من دول الخليج، ثم تحول أخيراً إلى إسلام سياسى يمارس الإرهاب تحت عباءة الإسلام لمعاقبة المجتمع الدولى ونظام الرأسمالية العالمية (والدليل على ذلك يشمل استهداف مركز التجارة العالمى فى مانهاتن). وبالتالى لا أظن أن المسألة مسألة تطرف دينى فحسب، فمن يقومون بالأعمال الإرهابية فى الأغلب ضعيفو أو حديثو التدين، وما هم فى النهاية إلا كبيادق الشطرنج.
ولا يعنى هذا أن إصلاح الفكر والخطاب الدينيين ليس مطلوباً أو مهماً، على العكس تماماً، أنا أظن أن المجتمعات المسلمة بحاجة ماسة لهذا الإصلاح، مثلاً لدفع الظلم والأذى فى موضوع الطلاق الشفهى الذى أثير فى مصر، أو موضوع المساواة بين الأبناء والبنات فى الميراث كما أثير فى تونس. ولكنى موقن بأن هذا الإصلاح إذا تم فلن يحل مشكلة الإرهاب. فالإصلاح إذا تم سيساعد المسلمين فى حل بعض المشكلات الاجتماعية فى التضاد بين الحداثة والدين الموروث. أما مشكلة الإرهاب، فلن نجد لها حلاً كاملاً فى الإصلاح الدينى، لأنها أصلاً ليست مسألة دينية.
ومن الخطأ أن نتوقع خطوات إصلاحية من المؤسسات الدينية مثل الأزهر بمعزل عن المجتمع، فانتخاب بابا الفاتيكان الحالى فرانسيس مثلاً هو انعكاس لتطور المجتمعات الكاثوليكية من المحافظة الشديدة إلى الليبرالية التقدمية وليس العكس. لذلك أصلحت الكنيسة نفسها عدة مرات حتى لا تخسر الكثير من أتباعها. على العكس تماماً فى مصر، حيث نجد أن كثيرا ممن يبتعدون عن تعليمات الأزهر يبحثون عن حلول دينية ترفض الحداثة، وتتساوى فى ذلك الحركات الصوفية والسلفية، فالأولى تحث أتباعها على اتباع «طريقة» من العصور الوسطى، تماماً كما تحث الحركة السلفية أتباعها على اتباع فقه العصور الوسطى الذى يصفونه بهتاناً «بالشريعة».
إن مشكلة الإسلام السياسى بكل أنواعه ليست فقط مسألة فقه يبرر العنف باسم الدين (وإن كانت كذلك، فكتابات ابن تيمية التى اشتهرت بادئ ذى بدء لتحفيزه المسلمين لقتال المغول لن تختفى، والنصوص الشرعية التى يستند إليها مبررو العنف لن تختفى كذلك). إذاً، فحل مشكلة الإسلام السياسى الذى حوله البعض للإرهاب تتطلب حل مشكلات الفشل السياسى والاقتصادى المزمن فى المراحل المختلفة، وليس فقط «إصلاح الخطاب الدينى» كما يذاع.
أرسل تعليقك