بقلم - عمرو الشوبكي
سافر رئيس الوزراء السودانى، عبدالله حمدوك، إلى الولايات المتحدة، فى محاولة لإقناع الإدارة الأمريكية برفع العقوبات المفروضة على السودان باعتبارها دولة راعية للإرهاب، وهى العقوبات التى فُرضت على نظام البشير بعد تورطه فى جرائم إرهابية فى الداخل والخارج.
واللافت أن التردد الأمريكى فى رفع العقوبات على السودان يرجع إلى مجموعة من الأسباب تؤدى العقوبات إلى تعميقها مثل الأزمة الاقتصادية التى وصفها رئيس الوزراء: «البلد على شفا الانهيار ما لم يتم رفع العقوبات عنه»، وأيضًا هشاشة الوضع السياسى، ولكن هل استمرار العقوبات يجعل الوضع أكثر قوة أم هشاشة؟
المؤكد أن استمرار العقوبات على السودان يجعلها أكثر ضعفًا وهشاشة، وأنها فى حاجة إلى ليس فقط رفعها الفورى حتى تستعيد عافيتها، إنما أيضًا أن تتعامل معها أمريكا ودول العالم باعتبارها دولة طبيعية، تحاول أن تخرج من إرث استبدادى رغم ظروفها الاقتصادية والسياسية الصعبة.
مدهش أمر الإدارة الأمريكية أن يكون موقفها من نظام جاء نتيجة ثورة شعبية مدنية على حكم إخوانى متطرف ثابتًا لا يتغير إلا من جمل المجاملة والإشادة، ومدهش أكثر أن تقول أمريكا إن السودان مازال غير مستقر، وإن الدولة العميقة مازالت تحكم، وإن التحالف السياسى بين المدنيين والعسكريين مازال هشًا، وهى كلها أمور لو افترضنا صحتها، فكيف يمكن أن تصل البلاد إلى وضع مستقر وحكم مدنى ديمقراطى وهى مُحاصَرة ومتهمة بأنها ترعى الإرهاب، فى حين أن مَن يعاقبون الآن هم مَن ثاروا على نظام البشير وكانوا ضحايا دولته العميقة واستبداده؟!.
والحقيقة أن السؤال الذى يجب أن يطرحه العالم كله وأيضًا الدول المجاورة للسودان هو كيف يمكن مساعدة هذا البلد من الخروج من هذا الوضع الهش الذى وصفه رئيس الوزراء بأنه على شفا الانهيار؟ وهو لن يكون إلا بدعم اقتصادى وسياسى يجعل المسار الهش أكثر قوة ورسوخًا.
مدهش مَن يتصور أن معركة التغيير فى العالم العربى ستتم بالضربة القاضية، إنما هى معركة بالنقاط، ومدهش مَن يعتبر الشراكة التى تمت بين المدنيين والعسكريين فى السودان أمرًا سيئًا أو دليل ضعف، إنما هى بالعكس شراكة أصيلة لقوى موجودة على الأرض بالمعنيين المجتمعى والسياسى، ولو استمع مَن وقّعوا على اتفاق المرحلة الانتقالية لآراء بعض قوى التطرف الثورى لكانت الفوضى والانهيار قد حلّا بكل السودان. موقف الإدارة الأمريكية السيئ من السودان عجيب وصادم لأن المخاوف التى تُبديها تجاه الأوضاع القائمة تقدم لها حلولًا تؤدى إلى تفاقمها، وتعطى رسائل متكررة بأن قضية بناء دولة القانون والديمقراطية هى أمور ليست مهمة، إنما المهم أن تتواءم الدول مع المصالح والاستراتيجيات الأمريكية، مهما كانت أشكال نظمها.
أرسل تعليقك