بقلم/عمرو الشوبكي
فى يوم ميلاد الأستاذ فى 23 سبتمبر، جرى تدشين حفل جوائز مؤسسة هيكل للصحافة العربية، وحُجبت الجائزتان الرئيسيتان بسبب حرص المؤسسة على إعطاء فسحة أكبر من الوقت أمام الصحفيين العرب لكى يقدموا أعمالهم، وهو ما لم يتم نتيجة ضيق الوقت عقب تحديد يوم ميلاده موعداً لانطلاق الاحتفالية.
وقد نال 3 من الصحفيين الشباب جائزة تشجيعية، اثنان منهم تابعت أعمالهما عن قرب، وهما محمد بصل، الصحفى فى الشروق، وهو يعد واحداً من أهم الصحفيين القانونيين والمتابعين بمهنية واحترافية شديدة ملف السلطة القضائية بأبعاده المختلفة، والثانية غادة محمد إبراهيم الشريف، وهى صحفية مميزة فى «المصرى اليوم»، وتابعت عن قرب ما كتبته فى ملف المرأة من تحقيقات استقصائية عميقة ومهمة، أما الصحفى الثالث فهو أحمد حسن عبدالعزيز، من «الوطن»، وبكل أسف لم أقرأ ما كتبه، وإن كان هناك إجماعٌ من كل من تابع عمله كمراسل حربى فى مناطق القتال فى العراق على مهنيته الشديدة.
والمؤكد أن حصول «المصرى اليوم» و«الشروق» على جائزتين يمثل رسالة مهمة لكثيرين؛ فهما صحيفتان غيرُ مَرضىٍّ عنهما وتعانيان بدرجات متفاوتة من أزمات مختلفة، ومع ذلك حافظتا على تقاليد مهنية وقدمتا صحفيين مميزين رغم الصعوبات.
علَّقت فى نهاية اللقاء، وعقب مشاهدة فيلم رائع عن الراحل الكبير تم إعداده بمهنية شديدة وعكس جوانب مهمة من حياته، أننا أمام احتفالية تشبه الأستاذ من حيث دقَّتها وأناقتها، وأيضاً من حيث تنوُّع الحضور؛ فهناك مسؤولون رسميون سابقون وحاليون، على رأسهم المستشار عدلى منصور، ووزيرة التضامن غادة والى، وهناك رؤساء تحرير حاليون وسابقون، وهناك كُتَّاب صحفيون مؤيدون مثل فريدة الشوباشى، وهناك آخرون توقفوا عن الكتابة مثل فهمى هويدى، وهناك كُتَّاب وصحفيون ومثقفون من كل الأطياف ولكن جميعها تتميز بالمهنية والاحترام.
احتفالية هيكل استلهمت قوته الحقيقية، سواء بما جاء فى الفيلم أو من شكل الحضور أو من دقة التنظيم؛ فالرجل تميَّز بالعلم والمهنية والدقة والذكاء الاجتماعى وملأ الدنيا جدلاً ونقاشاً دون أن يكون له «منصب ميرى»، فقد خرج من رئاسة مجلس إدارة مؤسسة عريقة مثل الأهرام فى فبراير 1974 وبقى حتى وفاته فى فبراير 2016 خارج أى موقع تنفيذى فى أى صحيفة أو مؤسسة إعلامية، ومع ذلك ظل هو محور الجدل الفكرى والسياسى والإعلامى فى مصر والعالم العربى.
وأذكر أنه قال لى مرة إن الرئيس السادات قد غضب منه غضباً شديداً حين قام بمقابلة الإمام الراحل الخمينى عقب الثورة الإيرانية (أخرج واحداً من أهم كتبه، وهو «مدافع آية الله»)، وقال له: بأى صفة تقابله ومَنْ كلَّفك بالذهاب إليه؟ فرد عليه الرجل أنه ذهب وقابله بصفته الوحيدة التى لا يستطيع أى حاكم أن يسحبها منه، وهى الكاتب الصحفى (الجورنالجى كما كان يقول).
رونق هيكل وسحره ينبع فى جانب كبير منه من قدرته على أن يكون مهنياً ومؤثراً وهو خارج السلطة، وهى رسالة للكثيرين لاستعادة المهنية فى العمل الصحفى والإعلامى بعد أن غيَّبتها الفهلوة والشطارة ونيل الرضا السامى، والمناصب الوهمية التى أصبحت هدفاً فى حد ذاته حتى لو أدارت «خرابات».
احتفالية هيكل رسالة أمل ستؤتى ثمارها اليوم أو غداً.
أرسل تعليقك