بقلم - عمرو الشوبكي
لو كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يعلم أن نقله السفارة الأمريكية للقدس واعترافه بها عاصمة للدولة العبرية سيثير ردود فعل مؤثرة لدى حلفائه وأصدقائه العرب، لما أقدم على هذه الخطوة التى جاءت كحصيلة لسنوات طويلة من الفشل العربى داخليا وخارجيا، وجاءت الخطوة الأمريكية لتوقع عليه «بالبنط العريض».
القدس التى تراجع حلمنا فى عروبتها من المدينة كلها إلى قسمها الشرقى إلى بعض أحيائها، إلى المسجد الأقصى، لم يؤد إلى حصولنا على أى جزء منها، لأن المشكلة لم تكن قضية سوء تفاوض، إنما فشل كامل لأمة انشغلت فى صراعاتها الداخلية حتى ضعف وزنها الدولى وأصبح العالم غير مستعد للاستماع لأى حديث عن أن الصراع العربى الإسرائيلى هو سبب انتشار الإرهاب والفشل العربى، لأن أماكن الإرهاب صارت بعيدة كل البعد عن القضية الفلسطينية، فأصبحت المجتمعات والنظم والميليشيات تشارك فى قتل بعضها البعض فى أكثر من بلد عربى دون أن تطلق جميعها طلقة واحدة على إسرائيل، بل وشهدنا صراعات دموية فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء لا مع إسرائيل، وقتل الإرهابيين التكفيريين المصلين فى المساجد والكناس ولم يطلقوا طلقة شاردة على إسرائيل، حتى أصبحوا عنوانا رئيسيا للفشل فى بيئتنا العربية الإسلامية.
الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل حصيلة واقع عربى مهزوم، غير قادر على الفعل ولا البناء فى الداخل والمواجهة فى الخارج، وعلينا ألا نتصور أن يأخذنا العالم بجدية طالما بقيت أحوالنا على ما هى عليه.
هل نستطيع أن نقول الآن إن إسرائيل فقط سبب مصائبنا؟ هل نستطيع أن نقول إن الاحتلال الإسرائيلى فقط هو الذى يرتكب جرائم بحق المدنيين، أم أن العرب قتلوا بأيديهم 300 ألف شخص فى سوريا، وشهدنا حربا أهلية فى ليبيا، ونظما مستبدة ترتكب جرائم فى كل مكان لم يتفوق عليها إلا الدواعش والتنظيمات التكفيرية.
فى العالم العربى هناك حكام مستبدون قضيتهم الأولى البقاء فى السلطة وقهر شعوبهم لا مواجهة إسرائيل ولو بالكلمة، ولدينا تنظيمات إرهابية تكفيرية تذبح وتقتل عربا، ولدينا ميليشيات متحاربة فى دول غائبة، ولدينا محاولات على أصابع اليد الواحدة لبلاد عربية نجحت فقط أن تقف على رجلها وامتلكت دولة وطنية راسخة وهامش حريات معقولا، دون أن تستطيع أن تخرج من براثن التخلف إلى آفاق التقدم، إنما بقيت فقط واقفة على قدمها، دون أن تكون قادرة على قيادة أى حملة قانونية أو سياسية ضد الاحتلال الإسرائيلى.
بكل أسف لن يستطيع العرب وقف القرار الأمريكى الصادم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فالسعودية ومعها معظم الدول الخليجية تعتبر إيران أكثر خطرا من إسرائيل وتبحث عن دعم ترامب فى مواجهة إيران، ومصر ترى أن الإرهاب فى سيناء أكثر خطورة على مستقبلها وأمنها من إسرائيل.
ورغم أن القضية العادلة الوحيدة التى يملكها العالم العربى الآن هى القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يعد قادرا على الدفاع عنها لأنه لم يعد يعرف معنى وقيمة العدالة فى داخل نظمه، ولم يعد مؤثرا فى الخارج.
قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل هو ليس فقط رسالة استخفاف واستهانة بالعالم العربى، إنما أيضا إقرار بفشلنا الحكومى والمجتمعى.
القدس عربية
أرسل تعليقك