بقلم- عمرو الشوبكي
رفض الصادق المهدى الدعوة التى أطلقتها قوى الحرية والتغيير فى السودان (التى هو عضو فيها) بالإضراب العام والعصيان المدنى عقب تعثر مفاوضاتها مع المجلس العسكرى، بسبب الخلاف حول تركيبة المجلس السيادى الذى طالبت قوى الحرية والتغيير بأن يكون رئيسه وأغلب أعضائه من المدنيين، فى حين أصر المجلس العسكرى على أن يكون غالبية أعضائه ورئيسه من العسكريين.ومثّل موقف الصادق المهدى الميلاد الحقيقى لبلورة تيار إصلاحى حقيقى فى السودان بعيدا عن «المزيدات الثورية»، وهو موقف قد يفتح الطريق أمام كسر ثنائية الاستقطاب فى الساحة السودانية ممثلة فى المجلس العسكرى والقوى الثورية.ويمكن اعتبار الصادق المهدى من السياسيين القلائل فى العالم العربى ذوى التاريخ الكبير المحافظ على إيمانه بالعدالة والديمقراطية، صحيح أنه ليس محل إجماع فى السودان، وسبق له أن حكم البلد قبل أن ينتقل لعقود طويلة إلى صفوف المعارضة والمنفى، إلا أنه لا أحد ينكر خبرته وإخلاصه لوطنه وأفكاره أيًّا كان الاتفاق والاختلاف معها.وقد تبنى المهدى مع بداية الحراك الشعبى فى السودان الخيارات الثورية التى تمثلت فى الإسقاط الفورى للبشير (تسقط بس) دون أى تصور للنظام أو المسار البديل، بل اعتبر إسقاطه بمثابة «كبسولة التحرير»، وهو أمر فى الحقيقة يمكن فهمه من جماعات جديدة على العمل السياسى أو شباب فى بداية العشرينيات من عمرهم، ولكن بدا الأمر غريبا أن تخرج هذه الدعوة من سياسى مخضرم بتاريخ الصادق المهدى.ورغم أنى كنت منتظرًا من الصادق المهدى أن يركز دوره وثقله السياسى على وضع كل الضمانات لكيلا يترشح البشير مرة أخرى فى انتخابات الرئاسة مع بداية العام المقبل ويحافظ بذلك على المسار الدستورى بدلا من حالة الفراغ الحالية.. وبما أن الرجل قد اختار أثناء الثورة أن يكون جزءا من تيار «تسقط بس» وقوى الحرية والتغيير حتى لا يفقد تأثيره فى الشارع ويخسر أغلب الرأى العام الذى طالب بالإسقاط الفورى للبشير.. إلا أن الرجل عاد بجرأة وشجاعة لجذوره الإصلاحية وقدم طرحًا جريئًا رغم مزايدات الكثيرين برفض الإضراب العام، وهو بذلك يسجل أول نقطة مؤثرة لصالح بناء تيار إصلاحى فى السودان، يعى أن التحدى الآن هو فى بناء نظام جديد، وهو ما يتطلب تحالفات وعلاقات قوة وضغطًا شعبيًّا من أجل البناء والإصلاح وليس فقط الرفض والاحتجاج.السودان يحتاج إلى رجل جسر إصلاحى وليس حكمًا عسكريًّا ولا ثوريًّا ولا إخوانيًّا، وسواء كان الصادق المهدى هو هذا الرجل الجسر أو غيره، فإن رفضه الإضراب العام قد فتح الباب أمام ظهور تيار جديد ربما ينقذ السودان من الاستقطاب الحالى ويؤسس لدولة قانون وتجربة تحول ديمقراطى.
أرسل تعليقك