بقلم/عمرو الشوبكي
سقط آخر معاقل داعش فى مدينة البوكمال السورية المتاخمة للحدود العراقية، وفى قضاء القائم العراقى المتاخم للحدود السورية، عقب احتلالٍ استمر 3 سنوات على يد الجيشين العراقى والسورى والميليشيات الشيعية المتحالفة معهما، ممثلة أساسا فى الحشد الشعبى العراقى وحزب الله اللبنانى.
والحقيقة أن هذا السقوط يحتاج إلى قراءة متأنية فى أسباب فشل مشاريع التطرف السنية ونجاح نظيرتها الشيعية، حتى أصبحت سيطرة الأولى على أى مدينة سنية هى بداية النهاية لها عقب اكتشاف أهلها بعد فترة وجيزة بشاعة «حكمهم»، ويبدأون فى انتظار يوم تحريرها حتى لو على يد النظم الطائفية والاستبدادية التى وقفوا ضدها، لأنها بالتأكيد أقل سوءا وبكثير من الدواعش، على عكس ما جرى فى علاقة التنظيمات الطائفية الشيعية بحواضنها الاجتماعية والمذهبية، فقد حافظت فى المجمل على علاقة مقبولة بجماهيرها «الطائفية»، وظلت تحرص على نيل دعمها رغم كثير من الانتقادات. وعلينا أن نقارن مثلا علاقة حزب الله ببيئته الحاضنة فى الجنوب اللبنانى أو فى الضاحية الجنوبية، وبين علاقة الدواعش بجمهورهم السنى فى المناطق التى سيطروا عليها، وسنجد الفارق مفزعا وكبيرا بين الجانبين.
والحقيقة أن نكبة داعش على البلاد العربية والإسلامية كبيرة ومركبة، فالسؤال الذى علينا أن نطرحه: لماذا لم يخرج من الواقع السنى تنظيمات دينية طائفية ومتشددة، ولكنها قادرة على الأقل على كسب تعاطف بيئتها الحاضنة أى السنة؟
فقد خسرت هذه التنظيمات السنة والشيعة والمسيحيين وباقى أبناء الطوائف الأخرى، لأنها امتلكت فهمًا إجراميًّا للدين جعلها ترتكب مجازر فى كل مكان سيطرت عليه.
داعش ليس فقط عنوان فشل دينى، إنما أساسا عنوان فشل مجتمعى وسياسى وإنسانى، فعلينا تأمل أسباب وجود بيئة حاضنة جعلت كل هذا الإجرام يتركز فى تنظيم واحد، حرم الناس من فرحة الأعياد والحياة وأسس للكآبة والكراهية، وجعل كل معارض فى سوريا والعراق لنظام حكمه ينتظر اليوم الذى يحرره هذا النظام من قبضة داعش.
لماذا شهدنا على يد داعش هذا الإجرام والتوحش (كتاب داعش الشهير يحمل عنوان إدارة التوحش) من ذبح وقتل! ولماذا خرجت من البيئة السنية تنظيمات تكفيرية فشلت فى نيل رضا أغلب السنة على عكس تنظيمات الشيعة الطائفية التى نجحت فى أن تحافظ على دعم الشيعة لها؟!
إن ظهور داعش يرجع لأسباب كثيرة، منها ما هو «انحراف فقهى»، ومنها ما يتعلق باستبداد النظم الحاكمة والجرائم التى ارتكبتها، ومنها ما هو طائفى ومذهبى، ومنها ما يتعلق بالدعم الخارجى والأموال التى نزلت عليها من كل مكان، كل هذه العوامل مثلت أسباب ظهور وصعود هذا التنظيم، وفى نفس الوقت فإن نفس الناس التى تقبلت الدواعش فى البداية وتصورت أنهم سينقذونهم من استبداد نظمهم الحاكمة وطائفيتها، عادوا ولعبوا الدور الرئيسى فى إسقاطه وتحرير مدنهم من شروره وجرائمه.
صعود داعش كان بسبب بيئة حاضنة تصورت واهمة أنهم حل، وسقوطهم كان بسبب تخلى نفس البيئة الحاضنة عنهم.. صحيح هناك أسباب عسكرية وسياسية (التدخل الروسى مثلا فى سوريا) وراء هزيمة داعش، لكن سقوط التنظيم ودخولنا مرحلة «ما بعد التنظيم» كان أساسا بسبب تخلى الناس والحواضن الشعبية عنه.
أرسل تعليقك