آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

المعايير المزدوجة

اليمن اليوم-

المعايير المزدوجة

بقلم/عمرو الشوبكي

لا أحد يتصور أن سياسة المعايير المزدوجة هى فقط سياسة غربية تجاه دول العالم الثالث، فجملة المعايير المزدوجة رددناها فى العالم العربى تعبيرا عن غضبنا من الانحيازات الأمريكية لإسرائيل وتطبيقها معايير مزدوجة فى التعامل مع ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، فتغمض أعينها عن جرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين، وتصر على اعتبار كل أشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال نوعا من الإرهاب، وتشن حملات على بعض الدول حين تنتهك حقوق الإنسان، وتصمت على جرائم أخرى تبعا للمصالح والهوى السياسى.

وظل موقفنا من المعايير المزدوجة فى محله أحيانا، وفى أحيان أخرى اعتبرناه حجة لكى نتهرب من مسؤوليتنا فى مواجهة أخطائنا وضعفنا، فعلقناها على تحيزات الغرب ومعاييره المزدوجة.

والحقيقة أن الغرب حين يطبق معاييره المزدوجة، فهو فى جانب يعبر عن تحيزاته ضدنا، وفى جانب آخر يعبر عن استهانة وعدم احترام نتيجة سوء أوضاعنا الداخلية.

والمؤكد أن سياسة المعايير المزدوجة التى رفضناها خارجيا طبقتها نظمنا داخليا بامتياز حتى أصبحت دولة القانون غائبة تماما لصالح المعايير المزدوجة التى تطبق حسب الأهواء السياسية والأمنية.

فهل من الطبيعى أن يهرب وزير الداخلية السابق من تنفيذ حكم قضائى بالحبس 7 سنوات تحت سمع وبصر الوزارة المنوط بها تنفيذ أحكام القضاء والقانون؟ يقينا، هروبه لم يكن عملا بريئا، ولم يتم دون علم الأجهزة المنوط بها تنفيذ حكم المحكمة.

إن قضية تنفيذ الأحكام تخضع للمعايير المزدوجة، فهى تطبق على الضعفاء أولا وعلى كل المعارضين، أما المؤيدون فسينفذ فيهم الحكم فورا إذا لم يكن لهم ظهر، مثلما جرى مؤخرا مع نائبة فى البرلمان، فى حين تترك معايير الحكم المزدوجة كثيرا من المحصنين والمحميين يرتكبون جرائم أكثر بشاعة ولم ولن يحاسبهم أحد.

حكم قضائى على وزير الزراعة السابق (باشمهندس مدنى اتهم بالفساد) نُفذ فور خروجه من مكتبه وبعملية استعراضية أدهشت الكثيرين، فى حين أن وزير الداخلية السابق الذى اتهمه الشعب بارتكاب جرائم كثيرة وأدانته المحكمة فى قضية فساد كبرى، ومع ذلك لم نجد سيارة دفع رباعى واحدة تراقب منزله، إنما يهرب بكل سلاسة وتحت إشراف مَن كان يجب عليهم توقيفه، لأن المعايير المزدوجة لها ناس وناس.

هل شهدنا مجلس نواب فى العالم يعتبر أن لائحته البرلمانية أعلى من نص دستورى وقانونى قاطع، وحكم قضائى بات ونهائى من أعلى سلطة قضائية فى مصر وهى محكمة النقض؟ وهل حجة من هذا النوع يمكن تصورها لو كانت أسماء القضية معكوسة، أى لو كان الحكم فى صالح أسماء تحركها أجهزة الأمن؟ لكان بالتأكيد نُفذ فورا، لأن المعايير المزدوجة لا تقول إننا فى دولة قانون إنما فى «طابونة»، كما قال الرئيس، يحاسب فيها الناس حسب حيثياتهم لا باعتبارهم مواطنين.

المعايير المزدوجة جوّدت فى مصر وأصبحت تتعامل مع كل مواطن باعتباره متهما محتملا، فلو كان من أهل الحظوة (يذكروننا بأهل الحل والعقد)، فلن يحاسب مهما كانت جرائمه، لأن القاعدة القانونية ليست عامة ومجردة كما تعلم طلاب السنة الأولى فى كلية الحقوق إنما هى خاصة ومفصلة.

قانون السلطة القضائية اعتبره الكثيرون فُصل لاستبعاد اسمين من رئاسة الهيئات القضائية، وكأن كل مشاكل العدالة الناجزة فى مصر اختُزلت فى استبعاد اسمين، وحللنا مشكلة بطء إجراءات التقاضى والحبس الاحتياطى الذى تحول إلى عقوبة تجاوزت فى بعض الأحيان العامين بالمخالفة للقانون.

دولة القانون ليست فقط شرطا للتحول الديمقراطى إنما هى شرط لتدفق الاستثمارات والسياحة والتقدم الاقتصادى، وهى تخلق الثقة بين المواطن ودولته ونظام حكمه، ويجب ألا يتصور أهل الحكم أنه يمكن أن تتقدم مصر خطوة واحدة للأمام فى ظل إهدارٍ فجٍّ للأسس التى قامت عليها دولة القانون.

كل الدول التى تقدمت، بما فيها الدول غير الديمقراطية، هى التى أسست أولا دولة قانون، فالصين (وغيرها من دول العالم) يحكمها حزب سياسى واحد هو الحزب الشيوعى (وليس المؤسسة العسكرية)، بها قانون ينظم كل مناحى الحياة فى السياسة والاقتصاد وليس بها تعددية ولا ديمقراطية، فدولة القانون هى القاعدة الأساسية للنجاح، والمعايير المزدوجة هى القاعدة الأساسية للفشل.

يجب ألا نتصور أن سياسة المعايير المزدوجة التى نطبقها فى الداخل ستجعلنا قادرين على مواجهة المعايير المزدوجة فى الخارج، فحين يكون نظامنا فى الداخل قائما على تحيزات وأهواء وعشوائية، علينا ألا نتوقع أن يحترمنا العالم ويتوقف عن معاييره المزدوجة لصالح دول تطبق على شعوبها نفس المعايير المزدوجة وبصورة أكثر فجاجة.

علينا أن نصلح ما بأنفسنا حتى نستطيع أن نقنع العالم بأننا جادون فى بناء نظام دولى قائم على العدالة والمساواة والقانون، لا أن نطالب بهذا العالم فى الخارج ونطبق عكسه فى الداخل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعايير المزدوجة المعايير المزدوجة



GMT 20:25 2021 الخميس ,01 تموز / يوليو

مرافَعةُ البطاركة أمام البابا

GMT 11:21 2021 الثلاثاء ,29 حزيران / يونيو

هل يبدأتصويب بوصلة المسيحيين في لقاء الفاتيكان؟

GMT 13:21 2021 السبت ,26 حزيران / يونيو

لبنان والمساعدات الاميركية للجيش

GMT 14:31 2021 الإثنين ,21 حزيران / يونيو

الحِيادُ هذا اللَقاحُ العجائبيُّ

GMT 23:33 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

أخبار من اسرائيل - ١

GMT 16:22 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

أخبار عن بايدن وحلف الناتو والصين

GMT 17:50 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

المساعدات الخارجية البريطانية

GMT 07:38 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

أعداء المسلمين
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:51 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

نجمات أبهرن الجمهور رغم تجاوزهن الخمسين

GMT 17:12 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 06:44 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

أجواء عذبة عاطفياً خلال الشهر

GMT 01:05 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة هند صبري تكشف تفاصيل إنتاجها لأفلام الإنترنت

GMT 10:33 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

روما يهزم برشلونة الثلاثاء عن طريق اللاعب دجيكو

GMT 16:21 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 04:25 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

كاتي بيري تلفت الأنظار إلى فستانها البني الأنيق

GMT 21:10 2017 الجمعة ,07 تموز / يوليو

يوفنتوس سيجاري عرض أرسنال الخيالي لضم مبابي

GMT 01:57 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حنان ترك تظهر في عيد ميلاد توأم زينة وتخطف الأضواء

GMT 15:40 2020 الإثنين ,13 تموز / يوليو

دينا راغب بإطلالة فرعونية تتخطى 150 ألف دولار

GMT 03:21 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تستعمل الأغاني بدلًا من أصوات المحركات المزعجة

GMT 21:31 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تحدث ميزات جديدة للمستخدمين في15 دولة العالم العربي
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen