بقلم/عمرو الشوبكي
رشحت الجمعية العمومية لمجلس الدولة اسماً واحداً لرئاسة مجلس الدولة، وهو المستشار الجليل يحيى الدكرورى وتقديمه لرئيس الجمهورية للتصديق عليه كرئيس لمجلس الدولة، صحيح أن من حق الرئيس أن يختار اسما آخر من بين الأسماء السبعة الأقدم، بما يعنى أن أجهزة الدولة ستجرى اتصالات مكثفة مع المستشارين الستة من أجل إقناع أحدهم بقبول المنصب الذى رشح له الدكرورى، وهو تحدٍ كبير أمام مجلس الدولة، خاصة أنه من الوارد أن يتعرضوا لضغوط كثيرة من أجل التخلى عن مرشحهم الوحيد.
والحقيقة أن أزمة قانون السلطة القضائية الجديد تكمن فى أنها لم تؤت ثمرة لأى حوار مع الجهات القضائية المعنية، كما أنها عززت من هيمنة السلطة التنفيذية وتدخلها فى أعمال باقى السلطات، وفى القلب منها القضاء.
والحقيقة أن أمام الرئيس السيسى فرصة تاريخية كبيرة باعتماد ترشيح الدكرورى أن يعيد اللحمة مع تيار واسع من الرأى العام فقده فى الفترة الأخيرة بسبب كثير من الإجراءات التى أهدرت فيها تماما دولة القانون وأحكام القضاء، وجعلت النظام فى حالة استغناء نادرة عن المؤيدين والمعارضين.
فيقيناً التيار الرافض قانون السلطة القضائية والاتهامات الملفقة لم يكن فى أغلبه تيارا معارضا للدولة، إنما انتقل للمعارضة على ضوء ممارسات السلطة التى لم ترَ إلا تقارير الأجهزة الأمنية فى إدارة كل شيء بما فيها تطبيق أحكام القضاء واختيار رؤساء الهيئات القضائية.
المستشار يحيى الدكرورى وكل قضاة مجلس الدولة ليسوا حزبا سياسيا ولا تنظيما معارضا، والرئيس جاءته على طبق من ذهب فرصة أن يُضمّد جراحا كثيرة ويغيّر من الصورة الذهنية السائدة عن إهدار دولة القانون، وأن يقبل بترشيح المستشار الدكرورى، فى خطوة أولى لاستعادة ثقة تيار واسع من الرأى العام، ويؤكد فيها دعمه لاستقلال القضاء واختياراته، ويوقف تغول السلطة التنفيذية، وتحديدا، أجهزتها الأمنية على كل مناحى الحياة فى البلاد بصورة لم تعرفها من قبل.
من يُرِد أن يعاقب المستشار الدكرورى على حكمه بمصرية جزيرتى تيران وصنافير يرتكبْ جُرماً جسيماً، فالرجل لم يقل إنها مصرية لأنه معارض للحكم، فقد ذكر فى حيثيات حكمه: «ما عرض من وثائق تاريخية يؤكد مصرية الجزيرتين، وأن الحكومة تجاوزت الشروط التى يقرها الدستور ووقعت فى الحظر الذى يفرضه، ومصر طبقت على الجزيرتين قوانين ولوائح مصرية، منها اللوائح الخاصة بالحجر».
لم تقدم الحكومة - كما هو معروف - أى وثائق تثبت سعودية الجزيرتين، فكيف يمكن لقاضٍ يحترم ضميره (بعيدا عن أى اعتبارات سياسية) أن يحكم بأنها سعودية، فهل يعاقب الدكرورى على أنه لم يخالف ضميره كقاضٍ احترم القانون وما قدم له من أدلة ووثائق؟ لا أعتقد أننا وصلنا لذلك.
قبول الرئيس ترشيح القضاة للمستشار يحيى الدكرورى رئيسا لمجلس الدولة سينسف ما يُردد خلف الكواليس بأن قانون السلطة القضائية فصل لاستهداف أسماء بعينها يرغب الحكم فى استبعادهم من قيادة الهيئات القضائية، وهو ما أعاد للأذهان كثيرا من الذكريات السيئة عن القوانين التفصيل التى اعتدناها طوال العقود الماضية، وتصورنا مخطئين أن ثورة يناير قد وضعت حداً فاصلاً بين ممارسات نظم ثار عليها الشعب، ونظام جديد اختاره أغلب الشعب.
أرسل تعليقك