بقلم/عمرو الشوبكي
برشلونة واحدة من أجمل مدن الدنيا وأكثرها بساطة وانفتاحا، تستقبل زائريها بود وحرارة بلا تمييز وهى مدينة تشعر كل من يزورها بألفة شديدة خاصة إذا كان قادما من العالم العربى على عكس عواصم أوروبية «باردة» كثيرة.
مدينة برشلونة التى زرتها فى شهر يونيو الماضى بعد غياب استمر لسنوات لحضور المؤتمر السنوى لشبكة مراكز البحوث المتوسطة وكان عنوانه «مواجهة العنف المتطرف فى منطقة البحر المتوسط».
ورغم أن جانبا كبيرا من نقاشات الباحثين، خاصة الأوروبيين، تعلقت بما سبق وسميته البيئة الحاضنة للإرهاب، وركزت على نقطة نتجاهلها فى مصر وهى تتعلق بالتعامل الاجتماعى والسياسى مع الأفراد الذين يحتمل أن يتحولوا للتطرف (Persons in risk of radicalization) عن طريق مبادرات المجتمع المحلى فى الضواحى وحل مشاكل البطالة، والتواصل المباشر مع الأفكار المتطرفة من خلال علماء نفس واجتماع أكثر من رجال دين، لإقناعهم بكارثية خيار العنف وعدم جدواه، أى أن هناك تمييز واضح بين من ذهبوا ومارسوا العنف، وبين من هم مرشحون لممارسته أو هناك خطر بتحولهم نحو العنف.
ورغم هذه الجهود العلمية والسياسية والأمنية التى كنت شاهدا عليها فى أكثر من مؤتمر علمى ومن بينه مؤتمر برشلونة الأخير الذى لم «يجف حبره»، إلا أنها جميعا لم تحل دون قيام شاب مهمش أقرب فى تركيبته للمجرمين واللصوص من الجهاديين القدامى أصحاب اللحى والذقون الذين كنا نراهم فى تنظيمات العنف فى العالم العربى طوال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضى بتنفيذ جريمة من العيار الثقيل فى برشلونة سقط فيها 14 قتيلا وأصيب 134 آخرون، بينهم 17 فى حال الخطر، وبشر من 34 جنسية بمن فيهم عرب.
هذا الشاب الذى يسمى موسى أو كبير إسبانى من أصول مغربية عمره 17 عاما وسرق هوية شقيقة إدريس التى تصورت الشرطة فى البداية أنه منفذ العملية، هذا المراهق كتب مؤخرا على الفيسبوك أنه إذا أصبح ملك العالم فسيقتل كل الكفار ويترك فقط المسلمين الملتزمين.
بروفايل موسى متكرر فى كل حوادث العنف الجديد التى شهدتها أوروبا سواء فى فرنسا أو بريطانيا فهو لا يتردد على مسجد ومعلوماته الدينية من دعاية داعش على مواقع التواصل الاجتماعى وهى توهمه بدور وجنة وتعطيه حيثية فى مجتمع همشه دون أن يسأل نفسه عن أسباب ذلك، لأنها فى أحيان كثيرة كانت بسبب فشله الدراسى والمهنى والأخلاقى.
موسى كوبير هو نفس بروفايل الأخوين كواشى اللذين نفذا عملية صحيفة شارلى إبدو فى فرنسا، وصلاح عبدالسلام المتورط الأول فى تفجيرات باريس، وشبه الفرنسى ذى الأصول التونسية محمد بوهلال، منفذ جريمة نيس الأبشع، فكلهم تقريبا يعيشون ظروفا متشابهة فهم لم يقرأوا كتابا جهاديا يشكل دافعهم للعنف ولم يستمعوا لشيخ متطرف فى مسجد، وهم فى غالبيتهم الساحقة مواطنون أوروبيون من أبناء المهاجرين ومن ساكنى الضواحى الفقيرة والمهمشة، فشلوا مهنيا ودراسيا وغير معروفين لأجهزة الأمن كمتطرفين دينيا.
حادث برشلونة للأسف لن يكون الأخير، فأوروبا يمكنها محاصرة الإرهاب بحيث لا يهدد نظامها السياسى وتماسكها المجتمعى مثلما يجرى عندنا، إلا أنها لن تهزمه على الأقل فى الظرف السياسى الحالى بالضربة القاضية.
أرسل تعليقك