بقلم/عمرو الشوبكي
يمكن وصف قطر أنها حالة أو وكيل أو متعهد وليست دولة (ولو صغيرة) بالمعنى المعروف، عاشت على تناقضات كثيرة وتصورت دائما أنها أشطر من جيرانها الخليجيين وتحملها بعض العرب لشراء خاطر السعودية التى كثيرا ما حمتها حتى خرجت تصريحات أميرها مؤخرا تهاجم السعودية وتدخل فى مواجهة مفتوحة معها حتى قال إن قاعدة العديد الأمريكية فى قطر هى لمواجهة أطماع السعودية (دون أن يسميها) لينسف تحالف القمة العربية الأمريكية فى الرياض بعد تهميش دوره وتراجع أهمية خدماته
مدهشة إذن حالة تلك الدويلة الصغيرة التى تتقمص أدوار الدولة الكبرى بسبب أموالها وفضائيتها، حتى صارت لغزا لم يستطع الكثيرون فك رموزه، فالقدر أعطاها النفط والغاز اللذين جلبا لها المال، والقدر أيضا ابتلى شعبها المسالم بأسرة حكم هى الأسوأ فى تاريخ النظم العربية، فليس عيبا أن تكون صغيرا بلا عمق تاريخى ومحدودا فى مواردك الإنسانية والبشرية، ولكن العيب (وكل العيب) أن ترتدى ثوبا ليس ثوبك، وتتصور أنك يمكن أن تتحول من بلد تقليدى ومحافظ إلى بلد ثورى تارة، وجهادى وتكفيرى تارة أخرى وليبرالى حسب الطلب، وتنفق كل هذه الأموال فى التخريب والهدم، وتتصور أن قناة تليفزيونية يمكن أن تصنع لك مستقبلا، مثلما تصورت أنك يمكن أن تشترى دورا بأموال تدفعها لسياسيين عرب لكى تستضيف مؤتمرا أو ترعى اتفاقا، أو ترسلها لجماعات إرهابية انتقاما من أى دولة عربية ذات تاريخ، وحتى الرياضة السامية لم تسلم من مفاسد أموالك ودفعت الكثير لكى تنال تنظيم كأس العالم، وتتصور أنك بالرشوة وشراء الذمم يمكن أن تصبح دولة كبرى.
الغريب والصادم أن قطر التى قررت أن تصبح ثورية، كما تتحدث قناتها فى حديث الثورة وتنسى أو تتناسى أن الثورة لا تصنع فى الفضائيات (هى أشياء لاتباع ولا تشترى) ولا بشراء الذمم ورشوة الناس، فهى لم تعرف طوال تاريخها ثورة واحدة ولا انتخابات ولا حياة سياسية، كما أنها تقول إنها إسلامية فتدعم الإخوان والجماعات التكفيرية وتعتبر نفسها حليفة لحماس (وصفتها بالممثل الشرعى للشعب الفلسطينى) وللإسرائيليين فى نفس الوقت، وهى تدافع عن المستضعفين ضد القوى الاستعمارية وتعتبر قناتها صوت من لا صوت لهم، وفى نفس الوقت بنت على أرضها أكبر قاعدة أمريكية فى العالم العربى، أما ثوريتها فهى حسب الطلب والأهواء فترفعها ضد مصر إذا كان ذلك فى صالح الإخوان والجماعات التكفيرية، وتتحول إلى داعية استقرار وتسوية إذا كان أى من هؤلاء فى السلطة أو مسيطرا على أجزاء من أى بلد فى المنطقة.
حاولت قطر أن تلعب دور الوسيط بين متناقضات كثيرة، فأحيانا بين حماس وإسرائيل وأحيانا أخرى بين إيران والسعودية وأحيانا ثالثة بين حزب الله وجماعات تكفيرية، كما اختارت أن تكون راعية للإرهاب فى المنطقة، وتصورت أن هذا الدور سيصنع لها مكانه دائمة والحقيقة أنه أعطاها دورا، ولكنه ظل مستهجنا وتنتظر أطراف كثيرة عربية ودولية الفرصة للتخلص منه.
المدهش أن قطر كان يمكن أن يكون لها دور إصلاحى وسلمى فى المنطقة العربية يقبله الناس، إذا لم تلعب على كل الحبال وكل المتناقضات، واحترمت ثقافتها المحافظة والتقليدية مثل باقى دول الخليج العربى، ولكنها لم تفعل ولم تقبل أن تكون متسقة مع تركيبتها الداخلية.
تصريحات أمير قطر تستغل ثغرات كثيرة حدثت فى مؤتمر الرياض ولكنها لا تقدم أى بديل ولا تصحح أى سلبيات إنما فقط تلعب على تناقضات كثيرة بين دول المنطقة ستدفع ثمنها قريبا.
أرسل تعليقك