بقلم/عمرو الشوبكي
مرت 13 عاما على صدور العدد الأول من صحيفة «المصرى اليوم»، أو بالأحرى الميلاد الأول لها، وهو بالتأكيد ليس بالعمر الطويل ولا العريق، ومع ذلك أثبتت جدارة وريادة فى مرحلة عرفت فيها البلاد تغييرات كثيرة لم تكلل معظمها بالنجاح.
فتحت «المصرى اليوم» الطريق أمام الأصوات المختلفة فى الصحافة والفكر والإبداع، وقبلها أصوات الناس التى خرجت فى الشوارع والميادين عشية ثورة 25 يناير، وعنونت «المصرى اليوم» مانشيتها الشهير «إنذار»، فلم يستمع له أحد، بل تعرضت للتهديد والوعيد، فكانت الثورة التى أسقطت النظام ولم تنجح فى بناء جديد.
وقد عرفت «المصرى اليوم» منذ تأسيسها 6 رؤساء تحرير، كان لكل منهم بصمته الخاصة، وهم الأساتذة: أنور الهوارى ومجدى الجلاد وياسر رزق وعلى السيد ومحمود مسلم ومحمد السيد صالح، وجميعا يمكن وصفهم بنجوم الصحافة الورقية فى مصر، حتى لو اختلفت خبراتهم ومواهبهم.
ولدت «المصرى اليوم» فى مثل هذا الشهر من عام 2004، وأصبحت تجربة نجاح كبرى حتى صارت من بين أكبر ثلاث صحف فى مصر، ومثلت ساحة واسعة لتبادل الأفكار، فلايزال الناس يتذكرون هذا التحقيق وهذا المقال وهذا الكاتب، فلم ينسوا «النبيل» مجدى مهنا الذى فارقنا وهو فى قمة العطاء، وكان عمود الصفحة الأخيرة هو نقطة البداية لدى كثيرين من قراء «المصرى اليوم».
ولأنى كتبت فى «المصرى اليوم» منذ اليوم الأول وحتى الآن دون توقف، وبدأت بمقال الخميس الأسبوعى، ثم أضفت إليه عمود يوم الأحد، ثم انتهى الأمر عقب ثورة يناير وأصبحت كاتب عمود يومى (4 مرات أسبوعيا) ومقال أسبوعى، ومازالت أتذكر (ويذكرنى كثيرون) مقال «عالم عز الافتراضى» الذى نشر فى 26 ديسمبر 2010، وتوقعت فيه نهاية نظام مبارك عقب التزوير الفج لانتخابات 2010 أو مقال التدين المغشوش أو الدولة العميقة، أو مقال الطريق إلى فشل الإخوان عقب إعلان مرسى الدستورى، وتوقعت سقوط حكمهم، ومؤخرا مقالات الإرهاب الجديد.
يقيناً النقاش حول مستقبل الصحافة الورقية لايزال لم يأخذ المساحة المطلوبة فى كل الصحف المصرية، وعلى رأسها «المصرى اليوم»، وهو سؤال يجب أن تسهم فى طرحه بجرأة فى ظل سوق يتزايد فيها تأثير الصحف والمواقع الإلكترونية. أعتقد أن «المصرى اليوم» فى عهدها الجديد، برئاسة أحد أبنائها المخلصين (والمؤسسين) محمد السيد صالح، قادرة على أن تحدث أو على الأقل تناقش معنى الميلاد الثانى للصحيفة بجرأة أكبر، بعد أن كان لـ«المصرى اليوم» شرف إطلاق المغامرة الأولى بإصدار صحيفة خاصة فى زمن كان يحرص فيه رأس المال على أن يسير جنب الحيط ولصيقاً بإملاءات أى نظام حاكم.
«المصرى اليوم» تحتاج أكثر إلى أن تقوم بحملات اجتماعية كبرى تمس قضايا ضمير ورأى عام خاصة فى ظل القيود المفروضة على الملفات السياسية، فمثلا قضية الطفل يوسف الذى توفى برصاصات طائشة وهو فى صحبه أمه فى حى 6 أكتوبر لم يغط بالصورة المطلوبة.
حادث من هذا النوع ليس مجرد خبر إنما هو ملف كامل لأنه فى مساحة آمنة سياسيا، فهو لا يمس المحرمات الكثيرة فى الصحافة المصرية، كما أنه قضية رأى عام وضمير مكتملة الأركان، وفى كل الصحف العالمية هذا النوع من الجرائم نجده فى مانشيتات الصحف، فبالإضافة لمأساته الإنسانية إلا أنه يطرح أيضا أسئلة كثيرة حول: كيف تحولت منطقة فى قلب العاصمة وليس فى قلب الصعيد إلى مكان يحتفل فيه أصحاب الفيلات فى أفراحهم بالسلاح الآلى؟ وكيف يمكن أن تقود «المصرى اليوم» حملة ليس فقط من أجل ضبط المتهمين إنما من أجل وقف انتشار هذا النوع من السلاح وعمليات القتل المستمرة؟
تحتاج «المصرى اليوم» إلى استراتيجية جديدة فى التعامل مع الملفات الاجتماعية، تظهر فيها مخالب حقيقية، تعوض بها النقص المفروض على كثير من الملفات السياسية.
ستبقى هناك مشاكل وتحديات كثيرة أمام الصحف الخاصة، فهى مازالت لم تبن بعد قواعد مؤسسية تضمن لها الاستمرار والبقاء بصرف النظر عن شخص المالك أو الملاك، ومازالت أيضا لم تصل إلى فصل واضح ومؤسسى بين الإدارة والتحرير، وهى كلها أمور قد يرجعها البعض لقصر عمر التجربة، وارتباك الوضع السياسى ما بين القيود والتدخلات الأمنية، وتحدى الإرهاب واستهداف الدولة المصرية، وأيضا سوء الأداء الرسمى وحصار فكرة النقاش العام والجدل السياسى.
ومع ذلك ستبقى هناك حقيقة أن فى مصر صحيفة كبرى ولدت منذ 13عاما اسمها «المصرى اليوم».. فمبروك لمصر صحافتها المستقلة سواء كانت خاصة أو عامة.
أرسل تعليقك