بقلم - عمرو الشوبكي
بدأ النواب الديمقراطيون رحلة طويلة ومعقدة من أجل عزل الرئيس ترامب عقب توجيه اتهامات تتعلق بمضمون مكالمة تليفونية أجراها فى 25 يوليو الماضى مع رئيس أوكرانيا يطالبه فيها بالتحقيق فى مزاعم فساد تخص نجل منافسة جون بايدن، بل ذكرت بعض التقارير أنه علق مساعدات عسكرية لأوكرانيا تقدر بملايين الدولارات حتى تبدأ فى هذه التحقيقات.
وقد تكون هذه القضية بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، خاصة أن لترامب تاريخًا حافلًا من المعارك الفجة مع فريقه الرئاسى ووزراء فى حكومته، والعديد من المسؤولين الكبار، وقطاعات من مؤسسات الدولة، خاصة القضاء والمخابرات والخارجية وغيرهم.
والحقيقة أن اللغة المبتذلة التى يستخدمها ترامب وتقلباته المزاجية أدت إلى دخوله فى صراع مفتوح مع مؤسسات الدولة وقطاع واسع من الرأى العام، وهى معركة حقيقية بعيدا عن نظريات المؤامرة وأوهام الانقلاب المزعوم عليه، وتدار بأساليب قانونية وديمقراطية، تختلف تماما عن كثير من الأساليب غير الديمقراطية وغير القانونية التى أدارت بها مؤسسات الدولة الأمريكية كثيرًا من صراعاتها الخارجية.
معارك ترامب الشخصية والسياسية مع رئيسة البرلمان وقبلها مع شخصيات نافذة فى البيت الأبيض، كما سبق أن شتم المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية، وشتم وزير العدل السابق (الذى يفترض أيضا أنه عينه) لأنهم جميعا أداروا مؤسساتهم، وفق قواعد وتقاليد مهنية لا يعرفها ترامب.
وإذا كانت المؤسسات الأمريكية لا تستطيع أن تواجه ترامب إلا بالقانون فإن الأخير أيضا لا يستطيع أن يواجهها إلا بالدستور والقانون، فلا يمكنه أن يطيح بكل قيادات هذه الأجهزة أو «يفورها»، كما يحدث فى بلاد العالم الثالث، حتى تصبح مجرد منفذ لأوامر الرئيس، فهى مؤسسات دولة مهنية وليست مؤسسات نظام أو رئيس.
إن الإجراءات التى بدأها الكونجرس لن تؤدى غالبا إلى عزل ترامب، وسيبدأ بإجراء تحقيقات من خلال لجان مصغرة، وكل لجنة تتخصص فى نقطة أو أمر قد يكون على صلة بالقضية، مثل لجان العلاقات الخارجية، أو العمليات المالية، أو العدل. وسيحضر شهود للشهادة فى جلسات علنية، ويحق لمحامى الرئيس المشاركة فى هذه الجلسات، وإذا خلصت اللجان إلى ترجيح الاتهامات ضد الرئيس، فإنها تصدر «توصية باستخدام نصوص العزل» لأن القرار النهائى بالعزل سيكون من مجلس الشيوخ وبأغلبية الثلثين، والمعروف أن الجمهوريين لديهم 53 مقعدًا من أصل مائة فى مجلس الشيوخ، وبالتالى يحتاج قرار عزله إلى تخلى ما يقرب من 20 نائبًا جمهوريًا عن رئيسهم، وهو ما لا توجد مؤشرات عليه حتى الآن.
اختار الديمقراطيون أن يضعفوا الرئيس بهذه الإجراءات قبل انتخابات الرئاسة، لأنهم على الأرجح لن يستطيعوا عزله، ولكن هل سيضعفونه فعلا قبل انتخابات الرئاسة أم سيرتدى ترامب ثوب الضحية ويحقق الفوز غير المتوقع فى انتخابات الرئاسة؟.
أرسل تعليقك