ليالى فيينا (1- 2)
أطلقت أسمهان أغنيتها الشهيرة «ليالى الأنس فى فيينا» وظللت «أدندنها» طوال اليومين اللذين قضيتهما الأسبوع الماضى فى هذه المدينة الساحرة وكأنى خبير فى النمسا، رغم أنها المرة الأولى التى أزورها فيها، وذلك لحضور مؤتمر فى إحدى ضواحيها تحت عنوان آليات الحوار فى الشرق الأوسط.
وقد شارك فى المؤتمر من مصر عمرو موسى ومستشار شيخ الأزهر السفير عبدالرحمن موسى، والنائبة (المحترمة) أنيسة حسونة، وكاتب هذه السطور بجانب حضور عربى وأوروبى وإيرانى وتركى مهم (فى الحوارات التمهيدية السابقة رهنت مشاركتى بعدم وجود إسرائيليين لأن أحد المشاركين العرب طرح دعوتهم فكان الرد وفق التعبير الذى سبق واستخدمته أنه من الخطوط الحمراء وفق تقدير معظم العرب والاثنين الإيرانيين).
وبعد انتهاء أعمال المؤتمر ذهبنا إلى فيينا واكتشفت المدينة الساحرة التى تعتبر واحدة من أجمل مدن الدنيا، وأكثرها هدوءاً وبهجة، وهى تشعرك بأنك فى قرية كبيرة أو مركز (بتعبيرنا) ولكنه صناعى ومتقدم ومنظم.
فيينا تصيب زائريها ببهجة، خاصة حين يزورون وسط المدينة بجماله الأخاذ، وبدار الأوبرا التى تقع على ناصيته، قبل أن يأخذك طريق طويل ممتد للمشاة فقط، وملىء بالمحال التجارية والمقاهى والمطاعم، ومكتظ بتماثيل فنية رائعة الجمال.
ولأنك فى فيينا فكان لابد أن أذهب لدار الأوبرا الشهيرة، فشاهدت عرضاً أوبرالياً غنائياً رغم أنى كنت حريصاً على الاستماع لـ«موتسارت» ولكن لم يكن متاحاً فى اليوم الذى ذهبت فيه.
والحقيقة أن مبنى الأوبرا جماله فى عراقته ونقوشه الفنية الرائعة، وأيضا فى شعبية عروضه، فأنت لست مضطرا لارتداء زى كامل (بدلة وكرافت) كما أن هناك بطاقات دخول وقوفا بسعر 5 يورو لتشجيع الشباب على الحضور، وكانت كل الأماكن ممتلئة تقريبا عن آخرها وكما هى العادة مع كل عرض.
فيينا مثل أى بلد تنتمى ثقافيا ولغويا لألمانيا (Germanic country ) فيلفت نظرك النظام الشديد فى كل شىء، فبرغم أن أوروبا بشكل عام متقدمة ومنظمة إنما فى العالم الألمانى النظام قيمة عليا وثقافة شاملة وليس فقط قانون أى 1+ 1= 2 ونقطة، فمثلا فى أوروبا السيارات (وكثير من البلدان العربية ماعدا عندنا بكل أسف) تحترم إشارات المرور حتى لو الفجر، أما فى «العالم الألمانى» فإشارات المرور ليست فقط للسيارات، إنما أيضا للمشاة، فمن الصعب أن تجد مواطنا نمساويا واحدا يعبر الطريق وإشارة المشاة حمراء حتى لو كان الشارع خاليا من السيارات، على عكس بلد مثل فرنسا فإشارات المشاة تقريبا غير مستخدمة لأن الناس تعبر فورا فى حال عدم قدوم سيارات ودون النظر أصلاً لإشارة المشاة.
النمسا مثل ألمانيا النظام وsystem قيمة عليا وكأنه دين كل شىء بالسنتيمتر ماكينة عمل وإنتاج مذهلة وحتى إن منظمى المؤتمر لم يتركوا شيئاً للصدفة رغم تنوع الحضور وكثرتهم، فكل شىء محدد بشكل صارم من لحظة نزولك المطار وحتى وصولك الفندق والعكس.
معظم الناس فى فيينا يتكلمون الإنجليزية وليس لديهم عقد فى مخاطبة أى أجنبى بلغة غير لغتهم رغم اعتزازهم القومى بثقافتهم.
فيينا مدينة بهجة وسرور أنصح كل من لديه فرصة أن يزورها، فمهما كانت مشاغلك فهى ستضفى عليك قدراً من الراحة والهدوء.
أرسل تعليقك