بقلم/عمرو الشوبكي
مدهش ومريب تقرير الـ«بى. بى. سى» عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والذى اتهمته فيه أنه قبل بفكرة توطين الفلسطينيين فى سيناء، بناء على اقتراح أمريكى، وهو ما نفاه الرجل بشدة.
الراجح أن هذا الاقتراح كان مطروحا على القيادة السياسية المصرية منذ فترة، وعلى الأرجح أيضا هناك من طرحه على مبارك، وهو ما عنى بالنسبة للمحطة البريطانية أنه قبله، فى حين أن الواقع يقول إنه لا يوجد مؤشر عملى واحد يدل على أن مبارك قبل بتوطين الفلسطينيين، خاصة أن هذا الكلام يشير إلى وثائق كُتبت فى بدايات حكم مبارك أى فى عام 1982 وفى أعقاب غزو إسرائيل للبنان واحتلالها لأول عاصمة عربية وخروج المقاومة منها.
وبما أن مبارك حكم مصر منذ كتابة هذه الوثيقة 28 عاما تالية.. فلماذا لم ينفذ هذه الخطة الجهنمية على أرض الواقع ويوطن الفلسطينيين فى سيناء، رغم طول فترة حكمه، وينفذ مطالب أمريكا؟
من الوارد أن يكون الموضوع طُرح على مبارك، ومن الوارد أن يكون «نيمه» على طريقته المعروفة فى ترحيل المشاكل وعدم حسمها من الفساد حتى التوريث حتى مشاكل مصر التى تعامل معها بالمسكنات حتى تفاقمت، لكنه لم يتنازل عن شبر من أرض الوطن منذ شراسته فى مفاوضات طابا وحتى حديث التوطين المزعوم.
يقيناً عهد مبارك كان مليئا بالسلبيات وحمل أيضا بعض الإيجابيات، ولم يستطع مؤيد ولا معارض (مهما كانت ثوريته) سوى أن يشكك فى وطنيته كقائد محارب دافع عن البلد وكان من أبطال نصر أكتوبر.
القائد المحارب يعنى أن حياته يرهنها بطيب خاطر للدفاع عن وطنه وشعبه، ويقوم بعمله الذى أقسم على القيام به وهو الذود عن الأرض والعرض، ويتربى على أن هناك خطوطا حمراء لا يمكن التنازل عنها لأنك عمليا حاربت على الأرض عدوا قويا مدججا بالسلاح، وتمتلك واحدا من أقوى جيوش العالم وواحدا من أهم أجهزة المخابرات دهاء وقسوة، وحين يدخل مبارك وكل قادتنا المحاربين فى نزال عسكرى مع عدو بوزن إسرائيل من أجل تحرير أرض بلدك المحتلة فإن ذلك يجعلك فى وضع مستحيل فيه أن تتنازل أو تفرط فى ذرة رمل واحدة منها.
إن تفسير جانب من سلوك مبارك عشية تنحيه عن السلطة هو نفسية «القائد المحارب»، فهو لم يهرب مثل بن على ولم يقتل الآلاف من شعبه مثل بشار الأسد، إنما بقى فى بلده، رغم المخاطر لأنه لم يتعود على الهروب أو التفريط.
أخطاء مبارك كثيرة فى سوء الإدارة وانتشار الفساد وتركه مشروع التوريث يتحرك فى الظلام باعتباره البديل الوحيد لحكمه، وطول فترة بقائه فى السلطة، كل هذه مثالب وأخطاء كبيرة يتحملها الرجل إلا أمرا جوهريا لاشك فيه وهو وطنيته، أو كما قال صادقا: «تمسكت بمبدأ لم أحِد عنه أبدًا، وهو عدم التفريط فى أى شبر من أرض مصر التى حاربت وحارب جيلى كله من أجلها، وهو ما تجسد فى إصرارنا على استعادة آخر شبر من أرضنا المحتلة عام 1967 بعودة طابا كاملة إلى السيادة المصرية». نعم كان وطنيا رغم أخطائه الكثيرة.
أرسل تعليقك