بقلم/عمرو الشوبكي
طوى حكم النقض ببراءة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين صفحة كاملة من الجدل السياسى والقانونى، فمن حكم بالمؤبد، فى ظل تصاعد الموجة الثورية المناهضة لحكمه، إلى حكم بالبراءة من التهمة الكبرى (قتل المتظاهرين)، فى ظل تراجع هذه الموجة.
وإذا كان حكم محكمة النقض قد بُنى على براهين قانونية يعرف رجال القانون أن ما قُدم للمحكمة من أدلة لإدانة مبارك كانت ضعيفة، وأن الحجة القانونية، التى استند إليها البعض فى إدانته بأنه لم يقدم المساعدة لأشخاص كانوا فى حاجة إليها (أى المتظاهرين)، ليست لها حجية قانونية قوية، مثلما أكد كثير من فقهاء القانون المعارضين لسلطة مبارك، وبالتالى حسم حكم النقض الجدل القانونى وأنهاه.
أما من الناحية السياسية فالشىء اليقينى أن هناك شهداء سقطوا أثناء ثورة يناير، ولم تستطع العدالة أن تصل إلى أيادى القتلة لنقص الأدلة، وهنا سيصبح مفهوم العدالة الانتقالية- المنصوص عليه فى الدستور، والمهدر بإرادة سياسية وبرلمانية- طريقا لجبر الضرر وتعويض الضحايا والحفاظ على وحدة النسيج المجتمعى، التى يسعى البعض لتمزيقها كل يوم.
شهداء يناير سقطوا فى مرحلة لم يرَ فيها الشعب المصرى شهداء غيرهم دفاعا عن كرامة الوطن وحريته، ولكنهم فى السنوات الأخيرة وجدوا أن هناك شهداء آخرين سقطوا ليس فقط من المدنيين، إنما أيضا من رجال الجيش والشرطة بصورة دفعت أجهزة الدولة وجانبا من إعلامها إلى التمييز بين الشهداء وتجاهل شهداء يناير.
قضية إدانة مبارك حدثت قانونيا فى القصور الرئاسية وسياسيا بثورة يناير، ولكن حل مشاكل مصر ليست له علاقة بالانتقام من شخص مبارك، ولا أن الفشل الذى شهدته البلاد عقب الثورة يتحمل أغلبه مبارك، إنما فى الحقيقة أن كل الأطراف السياسية التى أدارت البلاد عقب يناير- سواء كانت المجلس العسكرى أو الإخوان المسلمين أو التيارات والنخب والأحزاب المدنية أو شِلَل المراهقة الثورية- هم جميعا مسؤولون عن التردى الذى وصلت إليه البلاد.
إن خطورة اختزال الثورة فى الانتقام من مبارك- ولو خارج إطار القانون وضمانات المحكمة العادلة- تعكس فشلا حقيقيا فى مواجهة التحديات والمشاكل الحالية، وتعكس أيضا انفصالا حقيقيا عن الواقع المعيش، الذى دلَّ كثير من مؤشراته على اعتبار قطاع كبير من الناس (ويراه الكثيرون غالبا) عصر مبارك أفضل من العهد الحالى، وأن الرجل فى النهاية حارب من أجل مصر، وكان أحد أبطال حرب أكتوبر.
اختزال أهداف ثورة يناير فى الانتقام من مبارك يعنى أننا لم نتعلم شيئا من دروس الماضى، وأن هذه الطريقة فى التفكير هى المسؤولة عن العودة إلى أوضاع أسوأ مما كانت عليه فى عهد مبارك، ولو كانت البلاد قد دخلت فى مسار انتقالى عقب تنحى مبارك عن السلطة يوم 11 فبراير تحافظ فيه على النظام القائم (بدلا من تفكيكه لصالح الفراغ وقتل السياسة) وتُصلحه من داخله، ويتقدم للرئاسة إما الراحل عمر سليمان أو أحمد شفيق أو عمرو موسى لقيادة البلاد بديلا لمبارك ومشروع التوريث، لكانت البلاد فى وضع أفضل مما هى فيه الآن، ولاحتفظ الناس بآلية ضغط سياسى وشعبى (دون قطيعة)، تدفع البلاد نحو التحول الديمقراطى وبناء دولة القانون.
حسنى مبارك صفحة طواها الشعب المصرى، والمستقبل لن يكون فيه مبارك، فاتركوا الرجل للماضى وحكم التاريخ.
أرسل تعليقك