بقلم/عمرو الشوبكي
لم تشر النتائج الأولية التى أعلنها مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) أن منفذ عملية لاس فيجاس ينتمى لتنظيم داعش، كما أن «بروفايل» الرجل من حيث الشكل لا يدل على أنه داعشى، فهو أمريكى أبيض اسمه ستيفن بادوك وليس من أصول عربية أو إسلامية ويبلغ من العمر 64 عاما، وهى سن غريبة عن دواعش أوروبا وأمريكا الذين تراوحت أعمارهم بين العشرين والأربعين (استثناء واحد لأحد منفذى عمليات لندن الإرهابية وكان يبلغ من العمر 54 عاما).
صحيح أن تنظيم داعش أو أحد خلاياه أصدر بيانا مرتبكا قال فيه «إن أحد جنود الخلافة وهو أبوالبر الأمريكانى نفذ عملية للتنظيم أسفرت عن هلاك 60 صليبيا» وهو بيان كتب بلغة تثير الشكوك فى صحته، ولو كان التنظيم هو الذى أصدره فعلا ويعلم أن الرجل لا ينتمى إليه فإن هذا يدل على أنه يبحث عن «انتصار معنوى» يرضى به عناصره المتعطشين للدماء بعد الهزائم التى نالوها فى العراق وسوريا.
والحقيقة أن قضية ستيفن بادوك تثير علامات استفهام كثيرة، فلو كنا فى السياق القديم الذى ظهرت فيه التنظيمات الجهادية العقائدية، لكنا قطعنا بأن هذا الرجل المختل والمريض، كما وصفه الرئيس الأمريكى، لا علاقة له بهذه التنظيمات، ولكن مع سياق الإرهاب الجديد وتأثر عناصر الإرهاب الجديد بمناخ الثأر والانتقام والمظلومية والتهميش، يكون الفارق بين تركيبة ستيفن المختل وسيد الداعشى ليس جوهريا، فإذا استثنينا أصوله الأمريكية وسنه فإنه يصلح أن يكون داعشى.
ففى أمريكا مثل أوروبا فإن الغالبية الساحقة من العمليات الإرهابية قام بها أشخاص لا علاقة لهم بالدين ولا الفقه الإسلامى ولو المتشدد منه، ولم يقرأوا القرآن، ولم يصلوا، وتحولوا إلى إرهابيين بسبب خلل نفسى وإحباطات اجتماعية مثلما جرى مع حادثتين كبيرتين هزتا أمريكا العام الماضى: الأولى كانت فى ولاية كاليفورنيا حين أطلق رجل (سيد فاروق 27 عاما) وامرأة (تشافين مالك) من أصول مسلمة النار على عاملين فى القطاع الصحى فقتلوا 14 شخصا، وكلاهما لم يكن له أى ماض متطرف، والجريمة الثانية مع عمر متين (29 عاما) وراح ضحيتها 49 شخصا، وهو شاب كان يعمل موظفا أمنيا ولم يكن متدينا ولم يعبر عن معتقده الإسلامى على حد وصف الـ«بى بى سى» بشكل استثنائى، ولكن كانت لديه مواقف معادية للمثليين جنسيا كما أنه كان يعتدى بالضرب على زوجته السابقة.
جرائم أمريكا فى العام الماضى تمت على يد شباب لم يتواصلوا حتى مع تنظيم داعش، بل إن أحدهم قرر أثناء عملية القتل أن يتصل بالشرطة ليقول لها إنه بايع تنظيم داعش (جديدة تماما).
لقد عبر كثير من الإرهابيين الجدد الخط الفاصل بين التطرف الدينى والجريمة المنظمة، وبين الإرهاب العقائدى والخلل النفسى والتهميش الاجتماعى حتى أصبح كثير منهم يحملون خليطا من بين كل هذه الأشياء أضعفها هو الجانب الدينى والعقائدى.
ولذا لن نندهش كثيرا لو اكتشفنا أن هذا الرجل السكير المختل الذى حمل 23 قطعة سلاح آلى ليقتل 60 روحا بريئة بايع داعش لحظة تنفيذه جريمته النكراء، أو شاهد شريطا لإحدى جرائمه فنفذه عمليا.
أرسل تعليقك