بقلم - عمرو الشوبكي
لا أعرف سبباً منطقياً واحداً يدفع بعضنا إلى التعامل مع الحوادث الإرهابية بهذا الشكل من غياب المهنية والمعلومة الصحيحة وتغييب أى نقاش حول جوانب التقصير والثغرات، لصالح هتافات وشعارات رتيبة تضرُّ أكثر مما تفيد، وإصرار على نظرية التكرار الذى «طفّش الشطار»، ودفع ملايين المصريين إلى مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الصحفية المستقلة داخل مصر وخارجها.
مع كل جريمة إرهابية تتكرَّر نفس الشعارات ونفس الإدانات ونفس خطاب الثأر والانتقام من الإرهابيين، ويعيد نفس الأشخاص ونفس المؤسسات نفس الكلام، مع تغيُّر وحيد هو: أسماء الشهداء والضحايا والأماكن.
والمؤكد أنه حين يكون ضحايا العملية الإرهابية المؤلمة 305 شهداء، ويكون عدد ضحايا كل العمليات الإرهابية فى 2016 هو 291 شهيداً، نصبح أمام كارثة قومية حقيقية لا يكفيها التعويض المادى على أهميته، ولا الحداد الرسمى على ضرورته، إنما تساؤلات حقيقية حول حصيلة معركتنا ضد الإرهاب، ولماذا يتصاعد ويتوحَّش ولا يتراجع.
ولعل السؤال الأول: كيف تحرَّك 30 إرهابياً مجرماً بهذه السهولة على عربات دفع رباعى ودخلوا قرية آمنة ونفَّذوا عملياتهم الدنيئة ثم هربوا دون أن يرصدهم أو يشتبك معهم مرتكز أمنى واحد؟! ولماذا- وبشكل متكرر- تدكُّ قواتنا مواقع الإرهابيين ومعداتهم وتعلن قتل عدد منهم عقب كل عملية إرهابية وليس قبلها؟!، لماذا لا نستهدفهم قبل الجريمة مادمنا ننجح فى رصد أماكن اختبائهم؟!
سيقول قائل: أنتم تنظرون من وراء مكاتبكم وتتحدثون عن التقصير فى وقت يدفع فيه رجال الجيش والشرطة الثمن من دمائهم. والحقيقة أن القضية ليس لها علاقة بتضحيات رجال الجيش والشرطة، فهى مؤكَّدة وكبيرة، إنما فى الشفافية الغائبة والخطاب الإعلامى الموجَّه الذى يؤكِّد فقط أن التنمية والإنجازات الاقتصادية مستمرة رغم الإرهاب، أو أن المؤامرة الدولية هى سبب الإرهاب، وأن المخابرات التركية والقطرية هى التى تقف وراءه، فى حين أن المطلوب هو الحديث عن الصعوبات التى جعلتنا نخسر معركتنا ضد الإرهاب ونعجز عن محاصرته وتحجيم جرائمه حتى صارت مصر من أكثر بلدان المنطقة تعرضاً لعمليات إرهابية.
العملية الأخيرة تقول إن سهولة تحرُّك القتلة المجرمين تعنى عدم وجود سيطرة أمنية داخل المدن السيناوية وخارجها ولأسباب يجب أن يعرفها الشعب، ويتم تحديد الواقع الحقيقى فى سيناء، وحجم التحدى، ومخاطر انزلاقها نحو اقتتال أهلى، وأن القول إن الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة خداع للنفس.. أفلا تعقلون؟!.
علينا أن نُقرَّ بأن حربنا ضد الإرهاب شاقة وليست سهلة، وأن الكلام المُعلَّب والمكرَّر والمبالغات لن تنقذنا، والبحث عن شماعة جاهزة لتفسير ما جرى يضر بالدولة والشعب معاً، فالحديث عن أن الأزهر مسؤول عن إرهاب جماعات وخلايا خرجت حتى عن التفسيرات المتطرفة للنصوص الدينية أمرٌ لن يساعدنا على مواجهة الإرهاب، والبحث فى أسبابه الاجتماعية والسياسية التى جعلت له بيئات حاضنة فى سيناء هو الطريق الصحيح لمواجهة الإرهاب.
مصر التى هُزمت فى 67 هى التى كذبت على الناس ولم تقل لهم الحقائق، ومصر المنتصرة فى 73 هى التى بدأت باعتراف عبدالناصر بمسؤوليته عن الهزيمة، ومحاسبة المقصِّرين، وطرح الحقائق على الشعب من خلال إعلام شفاف منذ عام 68 حتى نصر 73.
أرسل تعليقك