بقلم : عمرو الشوبكي
استبيحت سورية من دول الإقليم منذ أن تم انتقال الصراع من أزمة سياسية ومطالب شعبية بإصلاحات ديمقراطية إلى صراع مسلح انتهى بعسكرة انتفاضتها الشعبية وتحولها من مطالب مدنية بالحرية والكرامة إلى صراع إقليمى مسلح قوامه تنظيمات القاعدة وداعش وحلفاؤهما التكفيريون، دفع ثمنه أبناء الشعب السورى من قتل وتهجير. والمؤكد أن مطالب جانب واسع من الشعب السورى فى بداية انتفاضته الشعبية كانت مشروعة، ولكن الخطايا التى ارتكبت من قبل الجميع، حكمًا ومعارضةً، وضعت البلاد على هذا المسار المأساوى منذ 7 سنوات وحتى الآن. وقد بدأت استباحة سوريا من قبل النظام القائم بجرائم ارتكبت ضد آلاف المعارضين السلميين، ثم دخل الدواعش على الخط بعد أن قرر بعض المعارضين بدعم عربى وإقليمى الانتقال من النضال الشعبى السلمى إلى العمل المسلح، لتبدأ أولى خطوات استباحة سوريا من قبل عناصر تكفيرية من كل مكان، بغطاء عربى وإقليمى، بغرض إسقاط النظام بالقوة المسلحة. واقتربت المعارضة من حسم الصراع عسكريًّا فى سوريا، وترددت أمريكا فى دعمها، فدخل الروس والإيرانيون على الخط بأداء أكثر فاعلية وبدعم مباشر للنظام القائم، ونجحوا فى تعديل الكفة لصالحه حتى نجح فى استعادة معظم الأراضى السورية التى وقعت فى أيدى المعارضة المسلحة والتكفيرية.
لقد استبيحت سوريا من قبل التكفيريين والميليشيات المسلحة المدعومة من تركيا، كما استبيحت من قبل روسيا وإيران وميليشيات حزب الله اللبنانى، بالإضافة لميليشيات عراقية متطرفة، وأصبح هناك صراع بالوكالة لا يدفع ثمنه إلا المدنيون الأبرياء. وطوال فترة الصراع فى سوريا، ظل هناك من ينظر إليه بعين واحدة، فالاستباحة مشروعة ومبررة لو كانت فى صالح جرائم النظام، والاستباحة والقتل وإراقة الدماء مشروعة ومبررة لو كانت ضد النظام، ودفع الشعب السورى ثمنًا باهظًا لهذه الاستباحة لم تعرفه المنطقة منذ قرون. يقينًا، مشروع إسقاط النظام بالقوة المسلحة كان كارثة أكبر من بقاء النظام، وبقاء الأخير كارثة أيضا، إنما هو الوضع السيئ الباقى، لأن بديله أكثر سوءًا. وَقْفُ استباحة سوريا من قبل الجميع، أتراكًا وإيرانيين وروسًا، لن يكون إلا بالاتفاق على إطلاق مسار سياسى ودستورى يفضى فى النهاية إلى رحيل بشار الأسد فى مواجهة مشروع بقائه الأبدى فى السلطة، وكأنه غير مسؤول عما جرى لسوريا وشعبها، وأيضا مشروع إسقاط النظام والدولة فى سوريا لصالح التنظيمات التكفيرية والمتطرفة بعد أن ثبت بالدليل القطعى ضعف القوى المدنية الديمقراطية على الأرض وكارثية خيار إسقاط ما تبقى من الدولة والجيش السورى. هل ستضغط روسيا على النظام السورى لإجراء إصلاحات وطى صفحة الحرب والاستباحة؟.. لا يوجد حتى اللحظة ما يفيد السير فى هذا الاتجاه، لذا سنجد الاستباحة التركية جزءًا من استباحة شاملة تعيشها سوريا منذ سنوات.
أرسل تعليقك