بقلم/عمرو الشوبكي
إعلام الدولة أو إعلام الخدمة العامة، كما يسمى فى البلاد الديمقراطية، هو أحد أعمدة الإعلام المهمة، ومازال يمثل جانباً مهماً من صناعة الإعلام فى مصر، رغم التدهور الذى أصابه، والنسيان الذى يعيشه من قبل الدولة مؤخرا، رغم أنه فى النهاية إعلامها.
والمؤكد أن مصر عرفت إعلاماً حكومياً منحازاً للنظام السياسى، وفى بعض الأحيان إحدى أذرعته الدعائية، طوال الفترة التى أعقبت ثورة يوليو حتى ثورة يناير، حين بدأ الحديث عن إعلام الدولة المهنى والحيادى دون أن ينتقل الأمر إلى حيز التنفيذ.
والحقيقة أن النقاش حول إصلاح إعلام الدولة ظل مستمرا، ومع ذلك لم يقم الحكم فى مصر بأى خطوة إصلاحية منذ أن زار رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب مبنى التليفزيون (ماسبيرو) منذ عامين، وأعلن أن هيكلة التليفزيون قادمة لا محالة.
ومرت الأيام ولم يقترب أحد من التليفزيون لا تطويرا ولا إصلاحا، رغم أن هناك خططا أعدها خبراء الإعلام فى مصر، ومنهم أسماء لديها خبرة داخلية وخارجية واسعة، مثل المهندس أسامة الشيخ، وآخرين، وبدا الأمر فى لحظة أن تليفزيون الدولة أصبح قاب قوسين أو أدنى من التطوير والإصلاح، ومع ذلك لم يحدث.
وبدلا من إصلاح التليفزيون العام بكل ما يمتلكه من طاقات مهدرة بسبب غياب القواعد المهنية الحديثة، وارتباطه بأى نظام حاكم، وعدم ترسيخ مفهوم الخدمة العامة، قامت الدولة بتأسيس قناة جديدة اشتهرت فى الأوساط السياسية والإعلامية بأنها قناة الأجهزة السيادية، قدّر البعض تكلفتها فى حدود 2 مليار جنيه، وقد يرى البعض أنها مطلوبة فى ظل استهداف مصر من قبل قنوات إخوانية فى تركيا وقطر، ولكن المؤكد أن «رد الفعل» لا يجب أن يحكم أى سياسة فى بلد كبير مثل مصر، وأن نسيان تليفزيون الدولة خطأ جسيم مطلوب التراجع عنه فورا.
صحيح أن إصلاح الإعلام، وفى قلبه التليفزيون المصرى الذى يعمل به 43 ألف موظف، هو خيار ليس بالسهل، وله ثمن، ويحتاج إلى إرادة سياسية رئاسية وليس فقط حكومية، إذا أردنا أن نؤسس إعلام الدولة أو إعلام الخدمة العامة وليس إعلام الحكومة أو الأجهزة السيادية.
إصلاح التليفزيون الحكومى لا يعنى إلغاء القنوات الخاصة، سواء شبه المستقلة منها أو المرتبطة بأجهزة الدولة السيادية، إنما يعنى تأسيس إعلام مهنى قبل أن نبحث عن إعلام موال، وهو ينطبق على إعلام الدولة العام وإعلام الأفراد الخاص، فالقواعد المهنية هى التى يجب أن تحكم كلا الإعلامين مثلما يحدث فى أى بلد يرغب فى التقدم.
وبقى مفهوم المرفق العام أو الخدمة العامة، كما روجته «بى. بى. سى» (ولو نظريا فى كتابها المتعلق بالسياسة التحريرية)، ويتركز أساساً على الحياد والموضوعية والإنصاف وتمثيل التنوع السياسى والفكرى داخل المجتمع، ويعمل وفق قواعد مهنية محددة يحددها مجلس أو هيئة مستقلة، وهو ما نص عليه الدستور المصرى.
إنقاذ إعلام الدولة يبدأ بإصلاحه ويمتد ليشمل إصلاح باقى مؤسسات الدولة، أما مسألة أننا يمكن أن نبنى جزيرة إعلامية منعزلة تضم الإعلاميين الطيبين و«الكويسين» بصورة منفصلة عن يابسة باقى الإعلام فلن تحل المشكلة، لأن المطلوب إعلام خاص يعمل وفق قواعد مهنية وليس وفق قيود سياسية، وإعلام دولة عام يعمل وفق قواعد مهنية تقوم على تقديم خدمة عامة للمواطنين لا للنظام السياسى
أرسل تعليقك