بقلم : عمرو الشوبكي
بعيدا عن اعتبار ما جرى فى السودان وما يجرى فى الجزائر والعراق ولبنان على أنه موجة ثانية من الانتفاضات العربية، أو موجة جديدة تختلف فى مضمونها ونتائجها عما جرى فى بلاد الموجة الأولى (تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن) إلا أن المؤكد أن هذه الموجة مختلفة ولن تنتمى فى نتائجها لتجارب الفشل الكامل التى شهدت حروبًا أهلية وانهيارًا لمؤسسات الدولة.
ومازال النقاش مستمرًا بين كثير من باحثى وأساتذة العلوم السياسية فى الغرب والشرق عن تأثير البعد الاقتصادى فى الانتفاضتين العربيتين الأولى والثانية.
والحقيقة أن فى تجربتى تونس ومصر كانت قضية المطالبة بالكرامة الإنسانية وشعور قطاع واسع من الشعب بالتهميش الاجتماعى والسياسى من أسباب اندلاع الانتفاضتين فى كلا البلدين أكثر من الدافع الاقتصادى المباشر.
إن شعور قطاع واسع من الشعب بالتهميش والتجاهل والإهانة، خاصة مع تصاعد مشروع التوريث فى مصر، كما أن رد فعل الشاب «بوعزيزى» على إهانته من رجال الشرطة التونسية بحرق نفسه وموته، تعبير عن تلك الحالة من اليأس وغياب الكرامة، وهى كانت من الأسباب التى دفعت الناس للثورة ورفض النظم القائمة.
بالمقابل يمكن القول إن الأزمة الاقتصادية ومشاكل الفقر والتهميش كانت حاضرة كسبب رئيسى وراء اندلاع الموجة الثانية من الانتفاضات العربية، خاصة فى السودان والعراق ولبنان، وبدرجة أقل الجزائر، مقارنة بالموجة الأولى فى تونس ومصر.
ورغم أن الأوضاع الاقتصادية فى مصر أصعب من معظم البلدان العربية، كما أنها تعانى من مشكلات فقر وعدم عدالة فى توزيع الثروة إلا أنه تظل الأسباب الرئيسية وراء اندلاع انتفاضة يناير بالأساس أسبابا سياسية وأسبابا لها علاقة بقضايا التهميش والشعور بعدم العدالة وغياب الكرامة أكثر منها مشاكل الفقر والعوز الاقتصادى، خاصة مع الدور الواسع الذى لعبته شرائح الطبقة الوسطى فى هذه الانتفاضة.
بالمقابل يمكن القول إن العامل الاقتصادى كان هو المحرك الأول لانتفاضة السودان، وأن الاحتجاجات فى بدايتها كانت بالأساس لأسباب اقتصادية نتيجة الغلاء ورفع الدعم عن بعض السلع، ثم تحولت بعد ذلك إلى مطالب سياسية تدعو إلى إسقاط النظام.
والمؤكد أن العامل الاقتصادى حاضر بقوة فى انتفاضتى العراق ولبنان وقضايا الفقر والتهميش والفساد والمحاصصة الطائفية، كلها عوامل أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الواسعة فى هذه البلدان.
يقينًا العامل الاقتصادى حاضر فى الاحتجاجات العربية، لكن من الصعب اعتباره، بمفرده، عاملا رئيسيا، فهو محرك لعوامل أخرى، أهمها عدم الثقة فى النخب الحاكمة لأسباب مختلفة بعضها يتعلق بالمحاصصة الطائفية، كما فى العراق ولبنان، وبعضها الآخر نتيجة البقاء الطويل فى السلطة لنفس التحالف الحاكم، كما هو الحال فى الجزائر، مما عجل بموجة جديدة من الانتفاضات العربية.
أرسل تعليقك