بقلم : عمرو الشوبكي
شهداء الكاتدرائية شهداء مستهدفون مع سبق الإصرار والترصد، مثلهم مثل شهداء كمين الهرم، وفصل بينهما يومان فقط، فيقينا ضرب كمين بجوار أهم معلم سياحى فى مصر ليس جريمة عشوائية، إنما جريمة محددة ومخطط لها، لضرب السياحة فى مصر، وليس فقط رجال الشرطة الشرفاء.
الجريمة الثانية الأخطر والأبشع هى تلك التى اهتزت لها مصر كلها، وراح ضحيتها 30 مواطنا (حتى آخر التقديرات)، سقطوا عقب أدائهم الصلاة فى الكاتدرائية المصرية الشامخة، منذ قرون، رغم المحن والآلام.
والحقيقة أن هذا النوع من الإرهاب المخطط، وغير العشوائى الذى يعرف أين يستهدف، ومن يصيب هو من أخطر أنواع الإرهاب، فقد بدا أن هناك قدرة واضحة لمجموعات صغيرة ومتفرقة من الإرهابيين على الحركة والإيذاء، حتى لو كانوا أفرادا معزولين أو سموا أنفسهم بحركة حسم أوغيرها (اسم الحركة التى أعلنت مسؤوليتها عن عدد من العمليات الإرهابية، وتحمل رواية سياسية مغلوطة وانتقامية)، وهو اختصار لاسم «حركة سواعد مصر»، فسيظلون أفرادا معزولين، وليسوا تنظيما قويا.
والمؤكد أن أنماط الإرهاب الجديد تختلف عما شهدناه فى مصر وكثير من البلاد العربية، فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، وبات من المؤكد أن هناك مساحة أكبر للدافع السياسى والاجتماعى على حساب الجانب العقائدى والفقهى الذى سيطر على تنظيمات، مثل الجهاد والجماعة الإسلامية فى مصر، وتنظيم القاعدة قبل 11 سبتمبر.
ومثلت الدوافع السياسية والتهميش الاجتماعى والكراهية الطائفية والعوامل المادية دوافع رئيسية وراء الانخراط فى المجموعات الإرهابية الجديدة، وخاصة خارج سيناء، وليس التربية العقائدية العميقة (ولو فى الاتجاه الخاطئ)، وأن جانبا من هذه العوامل ظهر مع خطاب المظلومية الإخوانى كمبرر ودافع لعمليات كثيرة.
خطاب المظلومية السياسية كان هدفه الأساسى استقطاب جزء من الشباب لصالح العنف وممارسة الانتقام الإرهابى، وظهرت أسماء لجماعات جديدة، مثل العقاب الثورى والمقاومة الشعبية وغيرها، وكلها تحركها مقولات الإخوان أكثر من تنظيم الإخوان.
إن مواجهة هذا الشكل الجديد من الإرهاب الذى يحتمى بمقولة سياسية لن يكون فقط بالأمن والقوانين الرادعة، إنما أيضا بمقولة سياسية أخرى تواجهه لا إعلاميين فشلة، يصرخون كل يوم فى بعض وسائل الإعلام.
لقد مارس تنظيم الإخوان عنفا فى العهد الملكى، وعهد عبدالناصر، ودخلت الدولة فى مواجهات أمنية شرسة معه، ولكن فى العهد الملكى كان هناك مشروع حزب الوفد السياسى الذى ساهم فى حصار خطاب الإخوان، وفى العهد الجمهورى كان هناك مشروع عبدالناصر الملهم، من أجل التحرر الوطنى والعدالة، وفى السبعينيات أيضا رؤية السادات ومقولاته من أجل السلام، وإنهاء الحرب مع إسرائيل، وجلب التنمية والرخاء.
وفى كل هذه الحالات كان هناك إرهاب إخوانى، وكان هناك مشروع سياسى للدولة، مثل حائط صد أولى فى وجه هذا المشروع الإخوانى، وجعل المعركة هى بين تنظيم ودولة لها مشروع، فانتصرت الأخيرة بكل سهولة، فى حين أن أى معركة بين دولة بلا مشروع، ولا رؤية سياسية فى مواجهة تنظيم يردد مقولات سياسية سيعنى قدرة الأخير على خلق حاضنة شعبية، ولو محدودة، تقدم كل يوم عناصر جديدة تمارس الإرهاب أو تتواطأ معه.
رحم الله شهداء الكاتدرائية الذين أحزنوا مصر كلها، وآلموها ألما شديدا، ورحم الله شهداء الوطن، وحانت ساعة المراجعة والاعتراف بالأخطاء وأوجه القصور السياسى قبل الأمنى، لمواجهتها بالجراحة والعمل لا بالشعارات.
المصدر : صحيفة المصري اليوم
أرسل تعليقك