بقلم - عمرو الشوبكي
فى مصر هناك قبضة أمنية قوية تزداد كل يوم حدة، ويختلف الناس حول تفسير أسبابها، فالبعض يعتبرها جزءاً من الأداء المعتاد للأجهزة الأمنية، والبعض يقول إنها تحولت إلى مسألة ثأرية بين الشرطة والشباب الثورى، وهناك من يرى أنها جزء من حالة «شبه الدولة» التى نعيشها من ترهل وعدم كفاءة، فيأخذ الأمن العاطل بالباطل كعنوان لعدم الكفاءة مثلما هو حال باقى مؤسسات الدولة والأحزاب وحتى منظمات المجتمع المدنى، فالكل مأزوم.. فلماذا نريد استثناء فى أداء الداخلية؟
وقد يكون كل أو جزء من هذا الكلام حقيقيا، ويبقى السؤال: هل زادت القبضة الأمنية حدة وصرامة فى العامين الماضيين؟ والإجابة: نعم، وهل هذه الحدة هى اجتهادات فردية أم نتيجة مفهوم أمنى جديد للتعامل مع الأوضاع السياسية والاجتماعية تجاوز فى قسوته ما كان يجرى فى عهد مبارك؟ والإجابة من وجهه نظرنا: نعم هى حسبة أو مفهوم جديد حتى لو قال الكثيرون نحن نعيش فى أشباه دولة وكل شىء يسير بالبركة والاجتهادات الفردية، ولا يوجد مفهوم أو حسابات جديدة للأمن تعكس أى رؤية جديدة.
ومع ذلك فإننى أميل إلى وجود تصور يحكم جانبا كبيرا من التصرفات الأمنية حتى لو أصاب التطبيق «التاتش» المصرى، وتفاوت أحيانا عن هذا التصور الحاكم.
والواقع أن أهم ملامح هذا التصور يقوم على أن حالة التراخى (وصفها البعض بالتسامح) تجاه التحركات الاحتجاجية فى عهد مبارك كانت هى السبب الذى أدى لحدوث تراكم أدى إلى الثورة، وإسقاط الداخلية فى 28 يناير 2011، وأن الحل يجب أن يكون فى قمع أى تحرك سياسى ولو محدوداً، وحصار التحركات الشبابية فى مهدها، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعى، وحتى الوقفات الاحتجاجية الشهيرة على سلالم نقابة الصحفيين التى كانت مجرد ملتقى للتنفيس السياسى طوال عهد مبارك، ولم يتجاوز عدد المشاركين فيها بضع مئات مُنعت أمنيا، كل ذلك حتى لا يتكرر سيناريو يناير مرة أخرى.
يقيناً هناك شعور بالمرارة لدى قطاع يُعتد به من ضباط الداخلية من حجم الإهانات والبذاءات التى تعرضوا لها من قبل تيارات المراهقة الثورية عقب ثورة يناير، وأخذت النزيه الشريف (وهم الأغلبية) مع الفاسد والسيئ (الأقلية)، وجرت معايرتهم بحرق الأقسام وهروب المساجين التى ربما يكون قد تورط فيها عدد من كبار الضباط الفاسدين إلا أن الغالبية العظمى منهم قاموا بعملهم الأمنى على أكمل وجه، وقدموا ومازالوا شهداء يفخر بهم الوطن.
كل ذلك جعل جانبا كبيرا من رجال الشرطة فى وضع ثأرى تجاه كل ما له علاقة بريحة يناير، وأحيانا كل ما له علاقة بالشباب، وشهدنا انتهاكات كثيرة بحق شباب لا علاقة له بالسياسة ولا المظاهرات لمجرد أن الضابط الموجود فى موقع المظاهرة اشتبه فيه لأنه «شاب» وألقى القبض عليه.
السؤال: هل نظرية أن «يناير» حدثت بسبب التساهل الأمنى صحيحة أم خاطئة؟ الحقيقة هى بالكامل خاطئة، فـ«يناير» جرت لأسباب اجتماعية وسياسية كثيرة ليس من ضمنها التساهل الأمنى، وأن منع أى تحركات شعبية (لن يكون مآلها بأى حال مثل ثورة يناير) بالحصار والشدة ومنع التنفيس السياسى سيخلق ظواهر اجتماعية وسياسية أكثر عنفا وانقساما داخل المجتمع.
حين يكون المجتمع منقسما سياسيا واجتماعيا، ومأزوما اقتصاديا، وغير قادر على تدوير عجله الإنتاج، فإن الأمن لن يحل هذه المشاكل إنما سيتضخم دوره ويخصم من رصيده بسبب تغيب السياسة، والعجز عن صنع التوافقات المطلوبة داخل المجتمع، فراجعوا حساباتكم الآن وليس غداً.
أرسل تعليقك