بقلم : عمرو الشوبكي
سيكون للانقلاب الفاشل على أردوغان تداعياته الخطيرة على المجتمع التركى والنظام السياسى وحكم أردوغان، بصورة ستتجاوز حديث الصور الرائج الآن بسطحية نادرة، والذى اختزل المشهد التركى فى طريقة القبض المهينة على بعض الجنود الانقلابيين، أو بعض الحوادث الفردية التى اعتدى فيها الناس على الجنود (الذين نفذوا أوامر قادتهم بالنزول للشوارع)، وهى على كل حال ورغم قسوة بعضها، تظل أفضل من مشاهد انقلابات فى بلاد أخرى كان القتل والتعذيب المتبادل فيها يجرى لآلاف الأشخاص، وكانت هناك بحور من الدماء لا تنتهى.
ورغم قسوة بعض المشاهد التركية فى يوم الانقلاب فإنها فى مجملها تظل محتملة بالنسبة لدولة ومجتمع كبيرين مثل تركيا، أما السؤال الأهم بعيدا عن النظريات البلهاء بأن أردوجان رتّب الانقلاب ليتخلص من قادة الجيش (الحقيقة أن قادة الجيش كانوا معه، وأن من خططوا للانقلاب كان معظمهم فى رتبة عقيد، مع عدد لا يتجاوز الخمسة برتبة اللواء)، فيتعلق بمستقبله، وهل انتصر سياسيا بعد هذه المعركة الحربية؟ وهل الروح الانتقامية التى اعتاد أن يتعامل بها مع خصومة سيكررها مع من شارك فى الانقلاب أو قصر فى مواجهته حتى يجد نفسه فى معركة جديدة مع مؤسسات الدولة وفى القلب منها الجيش، بدأت بفصل حوالى 2000 قاضٍ وهناك محاكمات لمثلهم من رجال الجيش؟.
الحقيقة أن أردوغان خرج قويا من محاولة الانقلاب الفاشلة، ولكنها قوة مؤقتة، لأنه كسر شيئا فيه، وهو قناعته بأن لا أحد قادر على أن ينازعه سلطته، وفجأة اكتشف أن هناك تيارا داخل جيشه ينقلب عليه ويرغب فى الإطاحة به.
والمؤكد أن نظام أردوغان هو المسؤول الأول عن حالة الانقسام المجتمعى التى تعرفها تركيا، وأن الحملة التى قام بها ضد معارضيه، خاصة الشباب من كل الاتجاهات وشملت الصحافة والفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعى، كانت حرب نظام استبدادى بامتياز على كل صاحب رأى مخالف، إلى أن جاء اليوم وأنقذته هذه الوسائل من محنة الانقلاب بالرسالة التى أطلقها عبر «تويتر» وطالب فيها أنصاره بالنزول للشوارع، بعد أن اعتاد شتمه وشرع فى إغلاقه.
يقينا تجربة أردوغان كانت فى بدايتها تجربة نجاح على المستوى الاقتصادى والسياسى إلا أن الرجل الذى بقى فى السلطة 14 عاما وغيّر دستور البلاد ليصبح رئيسا للجمهورية 10 سنوات أخرى تحول إلى طاقة انقسام داخل تركيا، مجتمعاً ودولةً.
إن أى فعل خارج عن الشرعية القانونية والدستورية أمر لا يتمناه أحد، إلا أن انقلاب تركيا يتحمل تبعاته الأساسية أردوغان المسؤول عن دفع قطاع ولو محدود من جيشه إلى الخروج عن الشرعية والسلطة المنتخبة بسبب تسلطه وسياساته الحمقاء.
سيستمر أدوغان فى تعميق الانقسام داخل تركيا، وإن الروح الانتقامية التى ستحكم تصرفاته تجاه الانقلابيين ستحوّل ما سيبدو أنه انتصار إلى هزيمة قادمة، فالرجل الذى لم يحتمل صوتا معارضا كيف سيتصرف مع من عارضوه بالسلاح؟.
انتصار أردوغان مؤقت لأن وجوده فى السلطة تحول فى ذاته إلى عنصر انقسام داخل تركيا وخارجها.
أرسل تعليقك