بقلم / مكرم محمد أحمد
الواضح من التظاهرات الكبيرة التى عمت الولايات المتحدة احتجاجاً على قرار الرئيس «ترامب» منع دخول مواطنى 7 دول إسلامية إلى الولايات المتحدة هى اليمن وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان وإيران، أن سياسات الرئيس الجمهورى المتعلقة بقضايا الهجرة التى تشكل صلب حملته الانتخابية لا تجد مساندة كافية فى الداخل الأمريكى!، وتتعرض لانتقادات وانشقاقات خطيرة أملت على الإدارة الأمريكية الجديدة التراجع بضع خطوات إلى الخلف، مؤكدة حرصها على أن تؤكد للجميع أن القرار لا شأن له بالدين أو الإسلام، رغم أن القرار فى عنوانه يخص سبع دول إسلامية!، وأنه قرار موقوت ومحدد بفترة زمنية تنتهى مع تيقن الولايات المتحدة من سلامة أمنها، يمكن بعد ذلك أن تستأنف واشنطن منح تأشيرات الدخول إلى كل دول العالم لأن هناك 48 دولة إسلامية وعربية يدخل مواطنوها الولايات المتحدة دون أى احتراز!.
وما يزيد من حرج إدارة «ترامب» أنه ما من مدينة أمريكية لم تشهد احتجاجاً ضخماً على هذه القرارات، وزاد من أسباب الغضب ادعاءات إدارة «ترامب» بأن الصحافة الأمريكية التى تعاديه هى المسئولة عن تشويه قراراته!، لكن هذه الاعتذارات لم تفلح فى تهدئة المتظاهرين الذين ضموا فئات واسعة من المجتمع الأمريكى، خاصة أن وزير الأمن الداخلى، جون كيلى، أعلن فى الوقت نفسه التزام وزارته بتنفيذ قرارات الرئيس «ترامب» رغم صدور حكم المحكمة الفيدرالية التى رفضت هذا المنع واعتبرته نوعاً من التمييز العنصرى ضد المسلمين يرفضه الدستور الأمريكى.
وزاد من سوء الموقف إلقاء القبض على العشرات من المتظاهرين دون إعلان أسمائهم أو أماكن اعتقالهم رغم اعتراضات الكثيرين من أعضاء الكونجرس الأمريكى الذين يسخرون من عدم التزام الإدارة الأمريكية الجديدة بتنفيذ حكم المحكمة الفيدرالية فى الوقت الذى تطالب فيه الشعب الأمريكى بتنفيذ أوامر «ترامب»، وتنتشر دعوات التحريض فى كافة المدن تدعو إلى تظاهرة مليونية ضخمة فى واشنطن تطالب بإلغاء قرار منع المهاجرين والعودة إلى الالتزام بقواعد الهجرة التى صدرت عام 1965 لتؤكد رفض التمييز العنصرى فى قضايا الهجرة، وداخل الحزب الجمهورى يتزعم معارضة «ترامب» جون ماكين، رئيس لجنة الأمن القومى، ولندسى جراهام، وهما جمهوريان كبيران يدعمان حركة التظاهر الواسعة التى شملت معظم أنحاء الولايات المتحدة، ترفع شعارات (رفض المنع) و(لا خوف ولا كراهية) و(من حق اللاجئين الدخول).
وكما يواجه الرئيس «ترامب» متاعب ضخمة فى تنفيذ قراره بمنع دخول مواطنى الدول الإسلامية السبع، يواجه مشروعه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بدلاً من تل أبيب، مصاعب مماثلة تلزمه إلغاء هذا النقل وليس مجرد تأجيله؛ لأن نقل السفارة من وجهة نظر دوائر أمريكية عديدة ومسئولة سوف يؤدى إلى معاداة العالمين العربى والإسلامى وربما يغلق الطريق أمام التسوية السياسية لأزمة الشرق الأوسط، ومن المؤكد أنه يشكل تهديداً لاستمرار الولايات المتحدة كوسيط فى عملية السلام، فضلاً عن المعارضة الواسعة التى سوف يلقاها مشروع نقل السفارة إلى القدس داخل دوائر إسرائيلية ويهودية خوفاً من ردود الفعل الفلسطينية والعربية التى يمكن أن تؤثر على سلام المنطقة وأمن الإسرائيليين، وتحمل فى الوقت نفسه تهديداً مباشراً لأمن وسلامة البحر الأبيض وأوروبا لدواعى القرب الجغرافى، إضافة إلى مخاوف قطاعات عديدة داخل إسرائيل تحس أن نقل السفارة سوف يؤدى إلى إثارة عمليات شغب واسع فى الأرض المحتلة يمكن أن يتحول بسهولة إلى أعمال عنف متبادلة، تضاعف من أعمال العنف التى تأخذ الآن صورة حرب خفية بالسكاكين أو دهس مفاجئ لعشرات المارة فى شوارع المدن الإسرائيلية!.
ويعتقد معلقون أمريكون ثقاة أن أحداث الأسبوع الأول لفترة حكم «ترامب» لا تبشر بفرص نجاح كبير فى حربه المتوقعة على الإرهاب بسبب خطورة تأثير قراراته المتعجلة فى قضية الهجرة على واقع العلاقات بين الولايات المتحدة والدول السبع، والاحتمالات المتزايدة لموجات غضب وعنف تشكل تهديداً لأمن المواطنين الأمريكيين فى هذه الدول لأن حصاد قرارات «ترامب» فى النهاية هو المزيد من الكراهية وأعمال العنف، كما حدث فى مدينة كويبك عندما اقتحم ثلاثة مسلحين مسجد المدينة ليطلقوا الرصاص العشوائى على جمع من المصلين أثناء أدائهم صلاة العشاء، الأمر الذى أدى إلى مقتل خمسة مصلين على الأقل وجرح العشرات.
والمدهش أن تضع إدارة «ترامب» العراق ضمن الدول السبع رغم العلاقات الأمنية الوثيقة بين العراق وأمريكا وتعاون كثير من فئات الشعب العراقى وتطلعهم إلى الدور الذى يمكن أن تلعبه واشنطن فى القضاء على فلول «داعش» فى العراق، بل ثمة مخاوف خطيرة من أن تؤدى هذه السياسات إلى توسيع فرص جماعات الإرهاب وتمكينها من إحياء دورها فى كل من العراق وسوريا بعد أن كانت على وشك الأفول والذبول، ولهذا السبب تعتبر «داعش» أن سياسات «ترامب» لوقف الهجرة تمثل انتصاراً كبيراً لها لأنها تؤكد لكل مسلم أن «ترامب» يخوض حرباً ضد الإسلام وليس ضد الإرهاب.
ويزيد من سوء الموقف فى العراق تصريحات «ترامب» فى اليوم الأول لولايته خلال زيارته الشهيرة لمقر المخابرات المركزية الأمريكية عندما أعلن أن الخطأ الكبير للولايات المتحدة فى حربها على العراق أنها لم تبادر باحتلال حقول البترول وموانيه ومؤسساته النفطية، وزاد على ذلك إعلانه أنه ربما يتهيأ للولايات المتحدة فرصة أخرى تصحح هذا الخطأ الكبير! ولذلك لم يكن غريباً أن يعلن سعد الحديثى، المتحدث باسم رئيس وزراء العراق، حيدر العبادى، أسفه لأن تضع إدارة «ترامب» العراق ضمن الدول السبع الممنوع دخول مواطنيها، رغم الشراكة الأمنية بين العراق وأمريكا، ورغم دعم الأمريكيين للجيش العراقى فى حربه على «داعش»، ورغم وجود أكثر من ستة آلاف جندى أمريكى فى العراق يعملون مستشارين عسكريين، وثمة توقعات أن يجد رئيس الوزراء، حيدر العبادى، نفسه مضطراً إلى أن يعيد النظر فى العلاقات الأمنية بين العراق وواشنطن فى محاولة لرد اعتبار العراقيين.
كذلك نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تحذيراً خطيراً على لسان مسئول كبير سابق فى المخابرات المركزية الأمريكية يحذر من خطورة تزايد أعمال العنف التى يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة بسبب قرارات «ترامب» الأخيرة التى يعتبرها العالم الإسلامى حرباً على الإسلام.. وأكد رئيس المخابرات المركزية السابق، ميشيل هايدن، أن سياسات «ترامب» جعلت أمريكا أقل أمناً ووضعت الدبلوماسيين ورؤساء البعثات المختلفة وممثلى الوكالات الأمريكية، بمن فى ذلك ضباط المخابرات والمعلومات، فى وضع أمنى بالغ الصعوبة والحرج لأن العديد من الدوائر الوطنية فى هذه البلاد سوف يرفض أى تعاون مع هؤلاء، لكن أكثر ما تخشاه أجهزة المعلومات والمخابرات الأمريكية هو تأثير هذه السياسات المحتمل على أوضاع وسلوك الجاليات المسلمة فى الولايات المتحدة بعد أن أصبحت موضع شكوك الإدارة الأمريكية الجديدة وشكوك فئات أخرى من الأمريكيين البيض، رغم أن النسبة الأكبر من أعضاء هذه الجاليات تبذل كل جهودها للحفاظ على أمن الولايات المتحدة ولم تكن تتردد فى إبلاغ أجهزة الأمن بأى مظاهر قلق يحسونها داخل مجتمعاتهم.. والمؤسف فى الصورة ألا تجد إدارة «ترامب» دفاعاً عن نفسها فى مواجهة هذه الشروخ المخيفة التى أصابت سياساتها فى الأسبوع الأول من ولاية «ترامب» سوى أن الدول الإسلامية السبع التى منع مواطنوها من الدخول إلى الولايات المتحدة هى الدول التى اعتبرتها إدارة «أوباما» مصدراً لأعمال العنف والإرهاب.
والأخطر من جميع ذلك تردى العلاقة بين إدارة «ترامب» والصحافة الأمريكية إلى وضع بالغ الصعوبة يعكس عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين، إلى حد أن «ترامب» لم يتورع عن اتهام الصحافة الأمريكية بأنها تشكل حزباً معارضاً لسياساته، وأن الصحفيين الأمريكيين هم أكثر الفئات اختلاقاً لوقائع غير صحيحة!، بينما تحمل افتتاحيات العديد من الصحف الأمريكية اتهامات مباشرة بأن إدارة «ترامب» تكذب لتجمّل صورتها، وتتحدث عن حقائق بديلة، بينما هناك حقائق واضحة واحدة لا تتبدل ولا تتغير وتتشبث بأن الصحفيين تحولوا إلى حزب معارض بما يؤثر على مصداقيتهم ومهنيتهم، بينما يدافع الصحفيون عن حقهم فى أن يكونوا قوة معارضة إذا استمرت الإدارة الأمريكية الكذب وتشويه الحقائق وإلقاء اللوم على مجاهيل غير معروفة، بينما تتحمل مسئولية تردى العلاقة بين الحكم والصحافة إلى هذا الوضع بالغ الخطورة..وخلاصة القول أن «ترامب» يواجه فى أسبوعه الأول شروخاً ضخمة تأكل مصداقية سياساته، جعلت غالبية الأمريكيين يتشككون فى إمكانية أن تتحول هذه السياسات إلى عمل حقيقى لأنها تتغاضى عن الواقع وتتجاهله وتقفز عليه وتخلط بين الأمانى والحقائق وبين الرأى والخبر، خاصة فى قضيتين جوهريتين؛ قضية الهجرة، التى يعتبرها «ترامب» المنصة التى حملته إلى كرسى الرئاسة، وقضية نقل السفارة إلى القدس، التى لا تزال تشكل جزءاً مهماً من سياساته.
أرسل تعليقك