بقلم - مكرم محمد أحمد
للمرة الثالثة وربما الأخيرة يجدد الرئيس الأمريكى ترامب موافقته على الاتفاق النووى الإيرانى، وإن يكن ترامب قد حذر حلفاءه فى الاتحاد الأوروبى الذين وقعوا معه الاتفاق النووى الإيرانى عام 2015 بأنه لن يجدد موافقته الرابعة بعد 120 يوماً، ما لم تتم مراجعة عدد من بنود الاتفاق التى يراها فاسدة ينبغى أن تتغير، وإضافة بنود جديدة تمنع عدوان إيران على الدول المجاورة فى الشرق الأوسط، وتلزمها وقف تجاربها الصاروخية، بحيث يضمن الاتفاق الجديد منع إيران إلى الأبد من امتلاك سلاح نووى .
لكن الرئيس الأمريكى أكد على نحو قاطع انسحابه من الاتفاق النووى الإيرانى فى نهاية الأشهر الثلاثة المقبلة إذا لم تتغير بنود الاتفاق الذى جعلته أسوأ اتفاق يمكن أن توقعه الولايات المتحدة مع إيران، لأنه الاتفاق الكارثة الذى يمّكن إيران بعد فترة من معاودة بناء برنامجها العسكرى وامتلاك سلاح نووى، ولأنه لا يضمن التفتيش على كل مواقع النشاط الإيرانى النووى بما فى ذلك المواقع العسكرية، وباختصار حدد ترامب لحلفائه الأوروبيين خيارين لا ثالث لهما، إما تعديل الاتفاق وضبطه كما يريد الرئيس الأمريكى، أو تنسحب الإدارة الأمريكية من الاتفاق، وبصيغة أخرى وصف مستشار الرئيس السابق أوباما، إما أن تنضموا معى إلى عملية قتل الاتفاق الذى وقعناه معاً مع إيران وإما أن أقتله وحدى، على حين ترى إيران أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق يعنى سقوطه أو إسقاطه لأن الأتفاق كل شامل، والأمريكيون يتجاهلون أنه بصيغته الراهنة يستند إلى توافق المصالح بين إيران وجميع الدول التى وقعت عليه وهى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا، وهو بذلك يشكل عملاً متكاملاً غير قابل لإعادة التفاوض ينبغى على أمريكا أن تنصاع لكل بنوده كما تنصاع إيران .
ولأن الاتفاق النووى الإيرانى فى صورته الراهنة يمثل للأوروبيين نجاحاً مهماً فى تحقيق الأمن الأوروبى، يرفض الأوربيون حتى الآن إعادة التفاوض حول بنود الاتفاق الذى يحقق مصالح الأوروبيين الأمنية، ويوسع دائرة مشاركاتهم فى الاستثمارات الإيرانية، وإن كانوا لا يمانعون فى مناقشة سلوك إيران الذى لا يتعلق بالاتفاق النووى بصورة منفصلة عن الاتفاق النووى، لأنه بات من الصعوبة بمكان أن توافق كل الأطراف التى وقعت على الاتفاق النووى على أى تغيير يطلبه أحد الأعضاء الموقعين، ولأن ديباجة الاتفاق الذى تم توقيعه تتضمن أن واحداً من أهداف الاتفاق تحقيق سلام الشرق الأوسط واستقراره، يصر الرئيس الأمريكى ترامب على أن الديباجة تعطى الولايات المتحدة الحق فى طلب التغييرات التى يطلبها ترامب وبينها وقف تجارب إيران الصاروخية، ووقف سلوكها العدوانى تجاه دول الجوار، ووقف دعمها جماعات الإرهاب !
وربما يخلص الفارق بين الموقفين الأوروبى والأمريكى فى أن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تعتقد أن النظام الإيرانى آيل للسقوط ويتآكل على نحو واضح، وأن المزيد من تشديد العقوبات والتضييق عليه يمكن أن يسارع بنهايته، وأن الأزمة الاقتصادية التى تعتصره يمكن أن تتحول إلى أزمة سياسية تعصف بالحوزة الحاكمة ،سواء المحافظون أو الإصلاحيون، بينما يعتقد الأوروبيون أن النظام الإيرانى يستطيع الصمود والخروج من الأزمة، ومن ثم فإن هدف الأوروبين هو توسيع نطاق الاستفادة المشتركة مع إيران، وزيادة حجم الاستثمارات فى بلد يملك إمكانات ضخمة، وأن المطالب الأمريكية التى لا يوافق عليها معظم الموقعين على اتفاق 2015 ربما تعزل أمريكا عن حلفائها وباقى العالم بأكثر من أن تعزل إيران . وما يكشف بوضوح حجم هذا الخلاف قائمة العقوبات الأمريكية الجديدة التى جاءت ضمن قرار ترامب وشملت صادق لاريجانى رئيس الهيئة القضائية فى الحوزة الحاكمة شقيق على لاريجانى رئيس مجلس الشورى القريب من المرشد الأعلى خامنئى، وعقابه ضمن 14 شخصية ومؤسسة إيرانية وأجنبية لأنه أغلق وسائل الاتصال الجماعى على المحتجين فى التظاهرات الأخيرة، بما يعنى أن الرئيس الأمريكى ترامب جاهز وعلى جميع المستويات لتحدى سلطة إيران الراهنة، لكن الرد الإيرانى على هذه المطالب كان قاطعاً فى رفضه المطلق لأىّ تعديلات على الاتفاق النووى باعتباره كلا واحدا لا يقبل إعادة التفاوض.
أرسل تعليقك