بقلم - مكرم محمد أحمد
نعم كان عام 2017 الأسوأ بالنسبة لأقباط مصر الذين استهدفهم الإرهاب قصداً بهدف تمزيق وحدة البلاد، وتفتيت قدرتها على الصمود، وإكراه أقباط مصر على أن يستشعروا أنفسهم مجرد أقلية دينية مضطهدة، تعيش غريبة فى وطنها وليسوا مواطنين لهم جميع حقوق المواطنة، يعيشون فى كنف دولة تليدة مسئولة عن حمايتهم، ومجتمع متحضر يعرف منذ الأزل أن الدين لله والوطن للجميع، وأن الأقباط والمصريين كانوا على طول التاريخ يداً واحدة، تنشد وطناً قوياً مستقلاً يربطه العدل والمحبة والمصير المشترك. ويكاد يكون جزءاً خالداً لا يمحى من الذاكرة المصرية صورة القمص جرجيوس فى صحن الأزهر الشريف يعانق أشقاءه المسلمين، ويقف معهم صيحة واحدة عاشت وحدة الهلال مع الصليب، ومشهد الرئيس السادات فى بزته العسكرية فى البرلمان المصرى عقب حرب أكتوبر، وهو ينادى على قائد الجيش الثالث فؤاد عزيز غالى يسأله عن أحوال قواته تحت الحصار، وصوت البابا شنوده يرحمه الله وهو يقول مصر وطن يعيش فينا وليس مجرد مكان نعيش فيه، وصورة البابا تواضروس بعد فجيعة تفجير الكاتدرائية، وهو يؤكد وطن بلا كنائس أبقى وأفضل من كنيسة بلا وطن، إضافة إلى عشرات الصور التى تزدحم بها ذاكرتنا منذ أن كنا صغاراً نشهد أسرنا القبطية والمسلمة تبادل أطباق الحلوى والطعام فى المواسم والأعياد.
فى أحداث 2017 رغم حالة الاستنفار الأمنى التى أحاطت بأكثر من 3 آلاف كنيسة وضعت تحت الحماية المشددة فى كل أرجاء مصر وقراها، احتشد أقباط ليلة عيد الميلاد المجيد، يرفعون صلواتهم إلى الرب فى علاه وينشدون تراتيلهم يدعون لمصر بالأمن والسلام والمحبة، ويغنون على دقات الأجراس مبارك شعبى العزيز فى مصر، تمكن المجرمون القتلة من أن ينفذوا إلى بضع كنائس أشهرها فى طنطا وكاتدرائية العباسية بوسائل خسيسة كى يفسدوا عرس المسيح عليه السلام، وسقط فى هذه الأحداث 170 قتيلاً مضرجين بدمائهم، معظمهم من النساء والأطفال، لكن المصريين أبوا إلا أن يصنعوا من هذه الكارثة مشهداً وطنياً أفسد أهداف القتلة، عندما تقدم آلاف المتطوعين يشقون الصفوف لإنقاذ الجرحى، ويهرعون إلى أماكن التبرع بالدم، ويحملون الأطفال الجرحى إلى المستشفيات ويتكاتفون مسلمين وأقباطاً فى محبة يحاولون قدر الاستطاعة تخفيف عبء الكارثة.
واليوم يستعد قرابة 250 ألف ضابط وجندى لحماية كنائس مصر فى جميع أنحاء البلاد فى إطار خطة شاملة تستهدف القضاء على هذه الهجمات، ومنع الإرهابيين من الوصول إلى الكنائس لإفساد أعياد الميلاد، التى أصبحت واحدة من أهم أهداف الجماعات الإرهابية بهدف أن تتحول أعياد الفرح إلى حزن كئيب، لقد كنت أتمنى أن تتسع هذه الفرصة لآلاف من الشباب المصرى الذى ينشط فى هذه الأيام لتشجيع حملات الانتخابات الرئاسية كى يشاركوا فى حماية الكنائس المصرية ليلة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وأظن أن من واجب منظمة الأسرة المصرية التى يرعاها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية أن تحشد شبابها ودعاتها للمشاركة فى حماية كنائس مصر فى هذه الليلة الكبيرة، وحبذا لو أسهم كل جار مسلم فى حماية كنيسة الحى ليصبح عيد الميلاد القادم محمياً بشباب المصريين يقطعون على جماعات الإرهاب أهدافهم الشريرة. وإذا كـانـت كنائس مصر قـد شهدت على امتداد العام الحالى 70 عملية عدوان وهجوم منفصل، فالأمل كبير فى حصار هذه الجماعات ومنعها من الوصول إلى أهدافها، بحيث يمتنع تماماً هذا العدوان، ويجرى اجتثاث جذوره, ولا أظن أن أحداً يستطيع أن ينكر أن خيوط التآمر على أقباط مصر ومحاولات إظهارهم بمظهر الأقلية المضطهدة تمتد إلى قوى الخارج التى تستهدف أيضاً تشويه صورة الحكم وإظهاره بأنه غير قادر على حماية جزء من مواطنيه، والمؤسف أن تكون الإدارة الأمريكية ضالعة فى جانب مهم من هذا المخطط العلنى الذى يدعو إلى تخصيص جانب من المعونات الأمريكية لحماية الأقليات المسيحية فى مصر مع علم إدارة الرئيس ترامب بأن أقباط مصر ليسوا أقلية دينية مضطهدة، وإنما هم جزء أصيل من نسيج مصر الوطنى قديم قدم مصر إن لم يكونوا الأقدم تاريخاً. لكن الأهم من ذلك أن يعرف أقباط مصر أنهم مستهدفون ليس لمجرد كونهم أقباطاً، ولكن لأن الهدف من الاستهداف تمزيق وحدة الوطن وقسمته وإشعار الأقباط بأن الوطن غير قادر على حمايتهم، ولا مكان لهم فيه، وأن الحل الأمثل هو الهجرة أو الهرب!.
وإذا كان المطلوب من أقباط مصر المزيد من الصمود لإفشال هذا المخطط الواضح فإن المطلوب من كل المصريين أن يعضوا على وحدتهم بالنواجذ، وأن يضعوا أقباط مصر فى حدقات عيونهم، وأن يرعوا كنائسهم كما يرعون مساجدهم، فجميعها بيوت الله، وأن يعرفوا أن أجدادهم كانوا الأشد صواباً، وهم يؤكدون أن الدين لله وحده، أما الوطن فهو حق الجميع.
أرسل تعليقك