بقلم - مكرم محمد أحمد
إن كان رئيس وزراء إثيوبيا ديسالين يريد القدوم إلى مصر ليخاطب أهلها وبرلمانها فى أمور مصيرية مشتركة، تتعلق بعلاقات البلدين ومصالحهما المشتركة بما فيها مياه نهر النيل، باعتبار أن مصر دولة مصب تعتمد منذ الأزل على ما يجيؤها من مياه النهر، هبة من السماء رتبتها العناية الإلهية فى إطار قواعد يفرضها القانون الطبيعى وتفرضها الجغرافيا وتفرضها حقوق تاريخية تضمن ألا ضرر ولا ضرار..، فأهلاً وسهلاً ومرحباً، ادخلوها بسلام آمنين، ضيفاً مهماً عزيزاً نتمنى له طيب الإقامة، آملين أن تكون الزيارة فاتحة خير لفترة جديدة فى علاقات البلدين يسودها الشفافية والود والسلام والتفاهم المتبادل لمعنى المصلحة المشتركة، والترجمة القانونية الصحيحة لمبدأ لا ضرر ولا ضرار، والإدراك الحقيقى للشواغل الجديدة التى طرأت على عقول المصريين، فرضها عليهم سد النهضة قلقاً وغضباً وحيرة، لأنهم يعتمدون فى أكثر من 97 فى المائة من مصادر حياتهم على ما يأتيهم من مياه النهر، ولا تزال مباحثات الطرفين مصر وإثيوبيا، تتعثر أمام مشكلات فنية، تحول دون توافق البلدين على طريقة ملء خزان سد النهضة دون الإضرار بمصالح مصر، وكيفية تشغيل السد فى إطار قواعد واضحة شفافة، تتسع مرونتها لما قد يطرأ كل عام من تغيير على حجم الفيضان، بحيث يصبح التشغيل أمراً سلساً مرناً يفى بتوازن مصالح الجانبين .
وإذا كانت مصر بالفعل هى هبة نهر النيل كما قال هيرودوت فإن المصريين حافظوا على هذه الهبة ووظفوها لمصلحة البشرية جمعاء دون الإضرار بأحد، لأن جهودهم على هذه الأرض الطيبة صنعت حضارة إنسانية خالدة علّمت البشرية الزراعة والوحدانية والفلك وكل الفنون والعلوم بما فى ذلك فنون الحكم وعلاقات الشعوب .
وما أستطيع أن أقوله إن علاقات البلدين على مفترق طرق صعبة، وإن زيارة ديسالين هى القول الفصل، بالوضوح والشفافية الكاملة وحسن النيات والمعالجة الصريحة للمشكلات بما يضمن سلاسة العلاقات بين الجانبين وإقامتها على ثوابت واضحة، لا تعرضها لأى هزات أو أخطار يصعب تداركها، تؤثر على مساحة الرقعة المزروعة فى مصر أو تقلل من عائدها بسبب الجفاف أو التبوير، وأظن أن ذلك أمر متاح خاصة أن الطرفين متوافقان على عدد من المبادئ الرئيسية، أولها أن وظيفة سد النهضة الأساسية بالنسبة لإثيوبيا هى توليد الكهرباء لأن لدى إثيوبيا وفرة هائلة من المياه والأنهار إضافة إلى مخزون جوفى هائل، ولا اعتراض البتة من جانب مصر على ذلك، المهم بالنسبة لمصر ضمان سلامة السد وسلامة تشغيله بما يحفظ لمصر حقها فى استمرار تدفق المياه إلى أراضيها فى إطار المتوسطات السابقة على مدى التاريخ، وثانيها أن إثيوبيا ملتزمة طبقاً للمادة الخامسة من الاتفاق الإطارى الذى وقعه الرؤساء الثلاثة، مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015 بعدم ملء خزان السد قبل إنهاء الدراسات الفنية، والاتفاق على قواعد ملء خزان السد وأسلوب تشغيله، وإذا كان تفاوض الدول الثلاث يصطدم الآن بخلاف فنى يعوق وصول الأطراف الثلاثة إلى مرحلة التوافق حول قواعد ملء الخزان، فإن الحل العقلانى الصحيح هو البحث عن طرف فنى محايد يساعد على حل هذه المشكلة، ولهذا اقترح وزير الخارجية المصرى فى رحلته الأخيرة إلى أديس أبابا اللجوء إلى البنك الدولى كجهاز فنى يملك خبرة كافية وله علاقات جيدة بإثيوبيا ومصر للخروج من هذا المأزق .
وعلى رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين أن يتذكر أن مصر هى التى بعثت بوزير خارجيتها سامح شكرى إلى أديس أبابا لكسر حالة الجمود التى لا تحقق مصلحة أى من الجانبين، وأنه لا مصلحة لمصر أو إثيوبيا فى تأخير الاتفاق على طريقة ملء خزان السد، وأن هناك ضرورة للتوصل إلى رؤية موحدة تعود بالنفع المشترك على الأطراف الثلاثة، وأن من مصلحة الجميع أن يكون هناك إطار زمنى لا يتجاوز منتصف 2018 لعبور المشكلات الفنية والتفاوض على كيفية ملء خزان السد لأول مرة وسبل تشغيله على نحو سلس ومرن لا يؤثر على أمن مصر المائى، وأن من حق الدبلوماسية المصرية أن تدافع عن حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل لأن القضية فى النهاية قضية حياة ومصير.
أرسل تعليقك