بقلم - مكرم محمد أحمد
فى الاحتفال برفع علم العراق فوق جميع أراضى البلاد، وتصفية جميع عناصر داعش، أعلن حيدر العبادى رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية أن علم العراق يرفرف الآن فوق جميع أراضى العراق وعلى أبعد نقطة من حدوده، ودعا كافة العراقيين شيعة وسنة وأكراداً دون تمييز فى العرق أو الطائفة إلى تحمل مسئولياتهم فى حفظ الأمن والاستقرار، ومنع عودة الإرهاب مجدداً، مناشداً كل العراقيين بالامتناع عن الخطاب التحريضى الطائفى الذى كان سبباً أساسياً فى تمكين داعش من احتلال مدن العراق، وقال العبادى إن معركة الفساد التى يخوضها العراق الآن هى الامتداد الطبيعى لعمليات تحرير الأرض، وعلى الجميع المشاركة فيها بجدية كاملة، وأكد رئيس الوزراء فتح صفحة جديدة من التعاون مع جميع البلاد العربية على أساس احترام السيادة الوطنية، وتبادل المصالح وعدم التدخل فى الشئون الداخلية. ورغم حرص العبادى الذى ينتمى لحزب الدعوة الإسلامية وبقى رفيق درب قديم لسلفه نورى المالكي، فإن العبادى أكثر مرونة واعتدالا وأقل طائفية وانحيازاً للشيعة، وبرغم توافقه الشديد مع طهران فإنه يدرك أهمية أن يبقى العراق جزءاً مهماً من عالمه العربي، يحافظ على علاقات قوية مع مصر والسعودية، ويعزز جسور التواصل مع عالمه العربى، ومع انتمائه القوى لحزب الدعوة الإسلامية الذى يرأسه نورى المالكى تحرص حكومته على روابط قوية مع المجلس الإسلامى الأعلى بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدرى بقيادة الزعيم القوى مقتدى الصدر الذى يساند بقوة سياسات العبادى فى محاربة الفساد.
وبرغم أن حيدر العبادى تخصص فى الإلكترونيات وحصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر، فإنه سياسى بارع، عملى النزعة يدرك أهمية المصالح المشتركة فى بناء علاقات قوية، ولأن للعراق مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية تتعلق بمحاربة الإرهاب، انتهج العبادى سياسات جديدة تختلف عن سياسات سلفه نورى المالكي، تتسم بالإنفتاح، وإعادة ترميم العلاقات مع دول الجوار، والإقرار بأن من الصعوبة بمكان فصل العراق عن عالمه العربي، فضلاً عن قدرة هائلة على استثمار مساحة الاتفاق فى تضييق نطاق الاختلاف مع أى دولة. وفى خطابه فى عيد النصر أكد العبادى أهمية توحيد المكونات الأساسية للعراق التى تتمثل فى شيعة الجنوب، وعرب الوسط، وأكراد الشمال تحت مظلة حقوق المواطنة، وإنهاء كل صور التمييز بين العناصر الثلاثة حفاظاً على وحدة الأرض والدولة العراقية، كما شدد على ضرورة إنهاء كل الميليشيات المسلحة عدا قوات الحشد الشعبى التى يعتبرها جزءاً من الدولة العراقية شأنها شأن الجيش رغم كونها فى الأغلب قوات شيعية، لعبت دوراً مهماً فى الحرب على داعش.
ويمكن أن نقول إن حيدر العبادى نجح فى أن يصوغ للعراق خطاباً سياسياً جديداً أكثر حداثة، وأكثر توافقاً مع متطلبات العصر، وأكثر احتراماً لمحددات الجغرافيا والتاريخ التى تفرض الحفاظ على الهوية العربية للعراق اتساقاً مع تاريخه الثقافى والحضارى، ينتصر لحقوق المواطنة لجميع عناصره دون تمييز حفاظاً على وحدة الدولة العراقية بمكوناتها الثلاثة، وكانت على وشك الانفصال فى دويلات ثلاث، وقد نجحت صيغة العبادى فى هزيمة داعش والحفاظ على وحدة العراق لأن العبادى أدرك أن تهميش مصالح العنصر العربى بعد سقوط صدام حسين، والمغالاة الشديدة فى التطرف الشيعى تحت ستار حكم الأغلبية كانا من أهم أسباب تمكين داعش من العراق ، ثم كان نجاحه فى استعادة كركوك الغنية بالبترول التى كانت البشمرجة الكردية قد نجحت فى الاستيلاء عليها بعد هزيمة الجيش العراقى فى معركة الموصل، لكن العبادى نجح فى استعادتها فى إطار إدارته الناجحة للأزمة الكردية عندما رفض الاستفتاء الكردى الذى أجراه البرزانى وسانده معظم دول العالم، ومع قرب انتهاء ولاية العبادى الأولى يرغب العراقيون بكل أطيافهم فى ترشحه لدورة ثانية لكن المشكلة هى فى كيفية إجراء انتخابات جديدة، بينما خمسة ملايين عراقى لا يزالون مشردين يسكنون المخيمات. ويلقى العبادى احتراماً واسعاً بين مثقفى الغرب، لأنه مكن للجيش العراقى هزيمة داعش ولأنه أعاد للدولة العراقية التى كانت على وشك التفكك وحدتها ولأن قراراته تحظى بمساندة كافة طوائف العراق، ولأنه حصر مواجهته مع مسعود برزانى فى إطار الاختلاف السياسى والقانونى حول شرعية الاستفتاء دون أن يمس حقوق الشعب الكردى، أو يتورط فى الحرب مع الأكراد أو ينتقص من حقوقهم فى المواطنة الكاملة، وظل طوال الأزمة يرفع غصن الزيتون للشعب الكردى بما يؤكد قدرته السياسية الفائقة.
أرسل تعليقك